إِخْوَانُنَا وَفِي ذِمَّتِنَا وَعَهْدِنَا، وَعَلَيْنَا بِهِ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ مَا دَامُوا مُوَافِقِينَ لِلْأَمِيرِ الْأَجَلِّ فِي مَوَالِينَا وَمَنِ اتَّصَلَ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَالْأَكْرَادِ، فَإِنَّهُمْ مُقِرُّونَ وَفِي جُمْلَتِهِ دَاخِلُونَ فِي عَهْدِنَا وَذِمَّتِنَا وَعَهْدِهِ وَذِمَّتِهِ، وَلِكُلِّ مُجْتَرِمٍ فِي الْعِرَاقِ عَفْوُنَا وَأَمْنُنَا مِمَّا بَدَرَ مِنْهُ إِلَّا الْبَسَاسِيرِيَّ، فَإِنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا أَمَانَ مِنَّا، وَهُوَ مَوْكُولٌ إِلَى الشَّيْطَانِ وَتَسَاوِيلِهِ ; فَقَدِ ارْتَكَبَ فِي دِينِ اللَّهِ عَظِيمًا، وَهُوَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَأْخُوذٌ حَيْثُ وُجِدَ وَمُعَذَّبٌ عَلَى مَا عَمِلَ، فَقَدْ سَعَى فِي دِمَاءِ خَلْقٍ كَثِيرٍ بِسُوءِ دَخِيلَتِهِ، وَدَلَّتْ أَفْعَالُهُ عَلَى سُوءِ عَقِيدَتِهِ. وَكَتَبَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.
وَبَعَثَ بِهَذَا الْكِتَابِ مَعَ رَسُولَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبَعَثَ مَعَهُمَا بِتُحَفٍ عَظِيمَةٍ لِلْخَلِيفَةِ، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَخْدِمَا الْخَلِيفَةَ نِيَابَةً عَنْهُ، جَزَاهُ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا.
وَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ، اسْتَعْلَمَ أَخْبَارَ الْمَلِكِ طُغْرُلْبَكَ مِنَ الرُّسُلِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِذَا مَعَهُ جُنُودٌ عَظِيمَةٌ، فَخَافَ مِنْ ذَلِكَ خَوْفًا شَدِيدًا، وَبَعَثَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ فَأَمَرَ بِحَفْرِ أَمَاكِنَ لِلْمَاءِ وَتَجْهِيزِ عُلُوفَاتٍ كَثِيرَةٍ إِلَى هُنَاكَ.
وَنَفَّذَ الْكِتَابَ وَالْأَخْبَارَ إِلَى الْبَسَاسِيرِيِّ، فَانْزَعَجَ لِذَلِكَ الْبَسَاسِيرِيُّ - قَبَّحَهُ اللَّهُ - وَخَارَتْ قُوَّتُهُ وَضَعُفَ أَمْرُهُ، وَبَعَثَ إِلَى أَهْلِهِ، فَنَقَلَهُمْ عَنْ بَغْدَادَ وَأَرْصَدَ لَهُ إِقَامَاتٍ عَظِيمَةً بِوَاسِطٍ وَجَعَلَهَا دَارَ مَقَرَّتِهِ، وَوَافَقَ عَلَى عَوْدِ الْخَلِيفَةِ إِلَى بَغْدَادَ وَلَكِنِ اشْتَرَطَ شُرُوطًا كَثِيرَةً لِتُذْهِبَ خَجَلَهُ.
وَلَمَّا انْتَقَلَ أَهْلُ الْبَسَاسِيرِيِّ مِنْ بَغْدَادَ وَصَحِبَتْهُمْ أَهْلُ الْكَرْخِ وَالرَّوَافِضِ - قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - وَانْحَدَرُوا فِي دِجْلَةَ إِلَى وَاسِطٍ كَانَ خُرُوجُهُمْ عَنْ بَغْدَادَ فِي سَادِسِ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَفِي مِثْلِهِ مِنَ الْعَامِ الْمَاضِي دَخَلُوا بَغْدَادَ وَعِنْدَ ذَلِكَ ثَارَ الْهَاشِمِيُّونَ وَأَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ بَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute