وإنما يكون إجماعها بأن يسلم غير العالم للعالم؛ إذ غير العالم لا يكون له قول، وإنما القول للعالم، فكما أن مَن لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله؛ فمن لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله. بل على كُلِّ مَن ليس بعالمٍ أن يتبع إجماع أهل العلم". قال أبو عبيدة: يتأكد ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية بأمور: الأول: لو اشترطنا - كما يقول بعضهم اليوم - للاستدلال في العقيدة بالتواتر اللفظي! لقلنا: قولكم هذا عقيدة، ونحتاج إلى نصٍّ متواترٍ تواترًا لفظيًّا دليلًا عليه، وهو معدوم! فسقط الشرُّ! ودفن منذ ولادته! الثاني: من لوازم هذا الاشتراط أنَّ عقيدة الناس مضطربة، ولا نعرف - على فرض صدقه - كتابًا اعتمد على مثله، ولا زال المصنفون في التوحيد يعتمدون الأحاديث والآثار ممن هي دونه. الثالث: ومن لوازم هذا الاشتراط - أيضًا - إلغاء الاستدلال بالمتواتر من الخبر؛ لأنَّ تواتر الأخبار لم يبلغنا إلا عن طريق الآحاد؛ فعاد الأمر إليه. والقول بحجية خبر الواحد - إذا تلقته الأُمّة بالقبول تصديقًا له، أو عملًا به - وإفادته العلم هو "الذي ذكره المصنفون في أصول الفقه من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، إلا فرقة قليلة من المتأخرين اتَّبعوا في ذلك طائفة من أهل الكلام أنكروا ذلك، ولكن كثيرًا من أهل الكلام أو أكثرهم يوافقون الفقهاء، وأهل الحديث والسلف عى ذلك". قاله شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (١٣/ ٣٥١). وقال بعدها: "وإذا كان الإجماع على تصديق الخبر موجبًا للقطع به؛ فالاعتبار في ذلك بإجماع أهل العلم بالحديث، كما أنَّ الاعتبار في الإجماع على الأحكام بإجماع أهل العلم بالأمر والنهي والإباحة". =