والتمثيل في تسمية المبهم على الاختلاف في ضربين، فإن غلب على الظن أن الراوي واحد، ولم يمكن الجمع بين القولين، ينظر: فإنْ كان الرجلان معًا ثقتين أو لا، فإن كانا ثقتين، فهنا مقتضى مذاهب الفقهاء والأصوليين أن لا يضر هذا الاختلاف، لأنه إذا كان الحديث عن هذا المعين فهو عدل، وإن كان عن الآخر فهو عدل، فكيفما انقلبنا، انقلبنا إلى عدل، فلا يضر- عندهم- هذا الاختلاف. ومذهب أهل الحديث فيه، غير مذهب الفقهاء والأصوليين، فهم يقولون في الاضطراب المتذبذب بين عدلين ثقتين: إن الاضطراب يدل على عدم ضبط في الجملة، وهذا متجه عند فقدان الدليل على أن الحديث عنهما جميعًا، نعم، يمكن حينئذ "الأخذ بالأقل، وهو المتيقن عند اضطراب الرواة وعدم إمكان ترجيح وجه من وجوه الاضطراب" أفاده شيخنا الألباني في "الصحيحة" (٤/ ٣٧١)، وينظر للتفصيل: "نكت ابن حجر على ابن الصلاح" (٢/ ٥٦٠)، "المضطرب" (ص ١١٦) لبازمول. وإن كان أحد الراويين ضعيفًا، وقد تردد الحال بين أن يكون عن الثقة أو عنه، أو عنهما، فهو غير حجة، لتطرق احتمال كونه عن الضعيف، اللهم إلَّا أن يكون قد رواه عنهما جميعًا، ويعرف ذلك من خلال جمع الطرق. وأوجه الاضطراب تحتاج إلى الترجيح، وإزالة الخلاف بالوقوف على الصحيح من الوجوه، أو الراجح منها، وفي هذا -في جُل صوره- اجتهاد من المخرِّج، وقد يقبل الأمر الخلاف، ويقوى ويضعف حسب ما ينقدح في نفس المحدّث، وكلما قويت الملكة، وحصرت الطرق، وكان المخرِّج عارفًا بالعلل الخفية، فإنه يصيب الحق، أو يحوم حوله، وكم من حديث أعل بالاضطراب، وضُعِّف بسببه، وخلص منه بعض الحاذقين من المخرجين وجهًا قويًّا، وجعله أصلًا وركنًا ركينًا، صححه بسببه، وما حديث القلتين =