والظن بالحاكم غير هذا، فإنه كان عالمًا بهذا الفن، خبيرًا بغوامضه عارفًا بأسراره، وما قال هذا القول وحكم على الكتابين بهذا الحكم إلَّا بعد التفتيش والاختبار والتيقن لما حكم به عليهما. ثم غاية ما يدّعيه هذا القائل، أنه تتبَّع الأحاديث التي في الكتابين، فوجد فيهما أحاديث لم تردْ على الشرط الذي ذكره الحاكم، وهذا منتهى ما يمكنهُ أن ينقُضَ به، وليس ذلك ناقضًا، ولا يصلح أن يكون دافعًا لقول الحاكم، فإن الحاكم مثبتٌ، وهذا نافٍ، والمثبت يقدَّم على النافي، وكيف يجوز له أن يقضي بانتفاء هذا الحكم بكونه لم يجده، ولعلَّ غيرهُ قد وجدهُ ولم يبْلغْهُ وبلغ سواه؟ وحُسْن الظن بالعلماء أحسن، والتوصل في تصديق أقوالهم أولى، على أن قول الحاكم له تأويلان: أحدهما: أن يكون الحديث قد رواه عن الصحابي المشهور بالرواية راويان، ورواه عن ذينك الراويين أربعة، عن كلّ راوٍ راويان، وكذلك إلى البخاري ومسلم. التأويل الثاني: أن يكون للصحابي راويان ويروي الحديث عنه أحدهما، ثم يكون لهذا الراوي راويان، ويروي الحديث عنه أحدهما، وكذلك لكل واحدٍ ممن يروي ذلك الحديث راويان، فيكون الغرض من هذا الشرط تزكية الرُواةِ، واشتهار ذلك الحديث بصدوره عن قوم مشهورين بالحديث، والنقل عن المشهورين بالحديث والرواة، لا أنه صادر عن غير مشهور بالرواية والرُّواةِ والأصحاب. فإن كان غرض الحاكم من قوله التأويل الأول، فقد سبق الاحتجاج له على من رام نَقْضهُ، على أَنَّ هذا الشرط قد ذهب إليه قومٌ من العلماء، ولم يحتجُّوا بحديث خرجَ عن هذا الشرط، ولا اعتدُّوا به، وقد سبق ذكرُه فيما سبق، =