للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مع الإشارة إلى كيفية الاستفادة من ذلك كله, فإن ذلك يكفي, فاختيار المرء كما قيل "قطعة من عقله تدل على تخلقه وفضله", فربَ علوم تنفع حاملها ودارسها ومعلمها, وأعمال ترفع من شأن صاحبها إذا أخلص لله في ذلك النية, فإن الله مولى كل خيرٍ وموليه, وخافض كل شيءٍ ومعليه, وهيهات أن يخفض المرء يتمه أو عدمه إذا رفعه الحق بإيمانه وعلمه, وفي الذكر الحكيم على ذلك دليل وبينات {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (١) , وفي الأمثال التي أوضحناها في كتابنا هذا مزيد بيّنة وبرهان, وفي أشعار العرب التي أوردناها حكمة وبيان, وما تحيى القلوب إلا بالإيمان, ولا تستيقظ إلا بنور الحكمة التي أرشد إليها القرآن, وإنما يسعد من الناس فلا يشقى من يطلب اكتساب ما لا ينفد ويبقى, وإذا كان الله جل وعلا قد أعلمنا بقوله: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، فإنه قد علمنا بأن الباقيات الصالحات خير وأبقى فقال: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} (٢) , والعاقل إنما يملؤُ قلبه, ويمتع طرفه فيما يبقى أجره وذكره, ولم ينسَ نصيبه وحظه من الدنيا, ولعل من يعد عدّته ابتغاء تحصيل متعته يحتاج إلى جليس يواسيه ويسليه, واختيار سلاح ينفعه ولا يؤذيه, وسيجد المتتبع من فنون العلم التي أرشد إليها القرآن, وانتضته من العرب الفرسان خير سلاحٍ, فهو خير له من سلاح راج في الملا, وملئ به الفضاء, وشغل الناس به أوقاتهم, وأضاعوا فيه أعمارهم مما يجرح ويدمي, ويشوه النفس ويعمي,


(١) - سورة المجادلة الآية (١١) .
(٢) - سورة الكهف الآية (٤٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>