للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك وصفهم بقوله: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} , قال الإمام ابن كثير: أي لا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه ولا يلوذون إلا بجنابه ولا يطلبون الحوائج إلا منه ولا يرغبون إلا إليه ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن, وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، ولهذا قال سعيد بن جبير: التوكل على الله جماع الإيمان (١) .اما الانفاق فالظاهر أن في قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} يشمل النفقة الواجبة على الأهل والولد وذي القربى، وصدقة التطوع، والزكاة المفروضة، وما ينفق في مصالح الأمة، لأن التعبير بالإنفاق أعم من التعبير بالزكاة، وهذا الوصف للمؤمنين بأنهم مما رزقهم الله ينفقون أموالهم من أقوى أمارات الإيمان، ولهذا فقد جاء الحصر والقصر بعد هذه الصفات الخمس في الآية بالإشارة إليهم أولئك هم المؤمنون حقاً، أي أولئك الموصوفون بتلك الصفات هم دون سواهم ممن لم يتصف بها المؤمنون إيماناً حقاً (٢) .

وجاءت في سورة ابراهيم اخبارا عن رسل الله إلى الامم الماضية: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْوَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (٣)

قال العلامة محمد بن عبد الله الغشم: ألا ولا يحزنك الامتحانات وتقنطك وتوهي توكلاتك وتغلطك, ولا يغرنك الاستدراجات ونعم الدنيا ونحو ذلك.

وكن رجلا رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا

واكتف بالله تعالى يكفك ويجعل الخيرات في كفك إن شاء الله تعالى, {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (٤) , وَرُدِّ الخيرة إلى الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (٥) وهو الرؤوف الرحيم الحليم الكريم العلي العظيم. (٦)

التوكل عبادة قلبية

التوكل عبادة قلبية قال ابن الجوزي: التوكل اعتماد القلب على الوكيل

وحده, وذلك لا يناقض حركة البدن في التعلق بالأسباب ولا ادخار المال, فقد قال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} أي قواما لأبدانكم (٧) , وقال الشيخ محمد رشيد رضا: في تفسيره المنار: فَالتَّوَكُّلُ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ، وَالْعَمَلُ بِالْأَسْبَابِ مَحَلُّهُ الْأَعْضَاءُ وَالْجَوَارِحُ، وَالْإِنْسَانُ مَسُوقٌ


(١) - ابن كثير ج٢ ص٢٨٧.
(٢) - مؤلفنا خلاصة الكلام في تفسير ايات الاحكام, ج٢ ص٨٨٣.
(٣) - سورة ابراهيم الآية (١١) .
(٤) - سورة الطلاق الآية (٢-٣) .
(٥) - سورة القصص الاية (٦٨) .
(٦) - انظر كتاب روح العلوم في تفسير كلام الله الحي القيوم, للعلامة الزاهد العابد أويس قرنه وكينعي زمانه بدر الدين/ محمد بن عبد الله بن علي الغشم رحمه الله, نسخة مخطوطة, في تاريخ ٣جماد الاولى سنة ١٣١٦هـ بقلم العلامة/ محمد بن حسين بن علي بن محمد بن عبد الله بن احمد بن عبد الله بن علي الغشم. رحمهم الله جميعا.
(٧) - تلبيس إبليس لمؤلفه/ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي, ص ٢٤٨ (المتوفى: ٥٩٧هـ) الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان الطبعة: الطبعة الأولى، ١٤٢١هـ/ ٢٠٠١م.

<<  <  ج: ص:  >  >>