للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ} إما: هي إن الشرطية زيدت عليها ما تأكيداً, ولذلك صح لحوق النون المؤكدة للفعل المضارع يبلغ الذي بني على الفتح لأتصاله بنون التوكيد الثقيلة وهو في محل جزم, وبلوغ الكبر إدراك الأبوين سن الشيخوخة, قال الراغب: البلوغ والبلاغ الإنتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكاناً كان أو زماناً أو أمراً من الأمور المقدرة وربما يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم ينته (١) .

والكبر -في النص القرآني-: هي سن الشيخوخة, قال الراغب: يقال فلان كبير أي مسن (٢) , وقال الفيروزأبادي: أن بعض المفسرين قال: ورد الكِبْر والكِبَر على أثنى عشر وجهاً عد منها: بمعنى زيادة السن قوله تعالى: (٣) {فَأَصَابَهُ الْكِبَر} و (٤) {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} , (٥) وإنما خص بالذكر الكبر لأن في هذا السن يحصل الضعف والوالدان أحوج ما يكون فيه إلى البر والرعاية.

{فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} أف: كلمة تضجر وتبرم, وقال ابن الاعرابي: الأُف: الضجر وأصلها إذا سقط تراب أو رماد فنفخ الإنسان ليزيله فالصوت الحاصل هو أف, ثم توسعوا في الكلمة حتى أصبحت تقال لكل مكروه (٦) , وقال الراغب: أصل الأُف: كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر وما يجري مجراهما, ويقال ذلك لكل مستخف استقذاراً له (٧) .

{وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} النهر: الزجر والغلظة, أي: لا تزجرهما, يقال: نهره ينهره نهراً أي زجره.

{وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} أي: ليناً لطيفاً حسناً طيباً.

{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي: ألن جناحك وتواضع لهما بتذلل وخضوع, وورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك, قال: ثم من؟ قال: أمك, قال: ثم من؟ قال: أمك, قال: ثم من؟ قال: أبوك) (٨) , وقد جاء في سورة لقمان قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (٩) , ولا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما إن كان لهما عهد قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} (١٠) , وفي صحيح البخاري عن أسماء قالت: (قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدّتهم إذ عاهدوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أبيها فاستفتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله


(١) المفردات ص٧٠.
(٢) المفردات ص٤٢٣.
(٣) سورة البقرة (٢٦٦) .
(٤) سورة آل عمران (٤٠) .
(٥) بصائر ذوي التمييز ج٤ص٣٢٧.
(٦) صفوة التفاسير ج٢ص١٥٧.
(٧) المفردات ص٢٨.
(٨) أخرجه البخاري في صحيحه باب من أحق الناس بحسن الصحبة حديث (٥٦٢٦) , ومسلم في صحيحه باب بر الوالدين وأنهما أحق به حديث (٢٥٤٨) .
(٩) سورة لقمان (١٤) .
(١٠) سورة الممتحنة (٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>