للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: هذا حق, وفي حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما يعلمنا الثبات والعزيمة على استشرف المستقبل وصناعة الأمل, بعزيمة وإرادة, فقد وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنين كافة بالاستخلاف والتمكين والنصر, ... قال جل شأنه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (١) , وقال سبحانه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (٢) , وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (٣) .

وحينما أخذ المؤمنون بعزيمة أمور دينهم تحقق لهم الوعد وحصل لهم النصر والتمكين والعز بعد الذل والوحدة بعد الافتراق والغنى بعد الفقر, فمن منا عمل على اعزاز هذا الدين ولم يحصل له التمكين؟ ومن الذي اقتدى بالنبي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم في سلوكه وأخلاقه ولم يظفر بمراده؟

فأنت أخي بحاجة إلى زاد من التقوى والأخلاق, أنت بحاجة إلى القدوة الحسنة والإتباع لنبيك صلى الله عليه وآله وسلم, أنت بحاجة إلى مواصلة العمل, بحاجة إلى العفو والتسامح حتى تكون قدوة في العفو والتسامح وتقديم الخير والإحسان إلى الناس, أنت بحاجة إلى الأخذ بسنن الله في هذا الكون الرحيب, فما أحوج الإنسان الذي يبحث عن الإحترام والنجاح والتقدير والسعادة والسيادة على الأرض إلى عون الله تعالى وتوفيقه.

ولله در الشاعر حيث يقول:

إِذا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللَهِ للِفَتى ... فَأَكثَرُ ما يَجني عَلَيهِ اِجتِهادُهُ (٤)

فإذا علمت وعملت عرفت أن الإنسان يجب عليه أن يرتب أولوياته ويسعى لتحقيق غاياته وأن يكون محسناً مع أهله وإخوانه, فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان خير الناس في تعامله وسلوكه مع أهله وإخوانه وجيرانه ومجتمعه وأمته, وكان أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس, ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقم البيت ويعقل البعير ويعلف ناضحه ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق. (٥) لم يكن مستبداً ولا غافلاً ولا فضاً غليظاً, وصدق الله حيث يقولل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (٦) , وهو مع ذلك كله كان رؤوفاً رحيماً, لقد جاء في الحديث النبوي: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ, ثُمَّ خَرَجَ, فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ


(١) - سورة النور الآية (٥٥) .
(٢) - سورة الأنبياء الآية (١٠٥) .
(٣) - سورة محمد الآية (٧) .
(٤) - هذا البيت للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
(٥) - السيرة النبوية للندوي ص٤٠٥.
(٦) - سورة آل عمران الآية (١٥٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>