للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَجَباً لِمَن تَرَكَ التَذَكُّرَ وَانثَنى.......في الأَمنِ وَهوَ بِعَينِهِ مَغرورُ (١)

وفي الذكر الحكيم يقول العزيز الرحيم مخاطبا للنبي الكريم: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} (٢) وفي الامثال السائرة:"ليس حي على الزمان بباقي" وقديما قيل:"من حدث نفسه بطول البقاء فليوطن نفسه على المصائب" وفي امثال العرب: "من طال امده نفد جَلَدُه" (٣) وقال الشاعر:

ترجو البَقاءَ بدارِ لا ثَباتَ لها ... فهل سَمِعْتَ بظلٍّ غيرِ منتقلِ (٤)

وفي الذكر الحكيم: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (٥) وقال سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (٦) قال الشاعر:

يُحِبُّ الفَتى طولَ البَقاءِ وَإِنَّهُ ... عَلى ثِقَةٍ أَنَّ البَقاءَ فَناءُ

زِيادَتُهُ في الجِسمِ نَقصُ حَياتِهِ ... وَلَيسَ عَلى نَقصِ الحَياةِ نَماءُ

إذا ما طَوى يَوماً طَوى اليَومُ بَعضَهُ ... وَيَطويهِ إِن جَنَّ المَساءُ مَساءُ

جَديدانِ لا يَبقى الجَميعُ عَلَيهِما ... وَلا لَهُما بَعدَ الجَميعِ بَقاءُ (٧)

اما شوقي فهو يقول:

وَلَيسَ الخُلدُ مَرتَبَةً تَلَقّى ... وَتُؤخَذُ مِن شِفاهِ الجاهِلينا

وَلَكِن مُنتَهى هِمَمٍ كِبارٍ ... إِذا ذَهَبَت مَصادِرُها بَقينا

وَسِرُّ العَبقَرِيَّةِ حينَ يَسري ... فَيَنتَظِمُ الصَنائِعَ وَالفُنونا

وَآثارُ الرِجالِ إِذا تَناهَت ... إِلى التاريخِ خَيرُ الحاكِمينا

وَأَخذُكَ مِن فَمِ الدُنيا ثَناءً ... وَتَركُكَ في مَسامِعِها طَنينا

فكن اخي حريصا على عمارة الحياة بالصالحات فإنهن بعد الممات الباقيات, وتجنب الجزع والجبن والتحسر عند الممات, فالواقع انما ينتاب بعض الضالين من الجزع والجبن والتحسر والعويل وشتى العواطف التي تنتابهم بازاء الموت مما يسيء للانسان انما يعود الى نظرتهم وفهمهم للموت, فهم يظنون انه انتقال من وجود الى عدم, فهم لايدركون حقيقه الموت, وان هذه الحياة الدنيا بما فيها ومن فيها ستكون ذكريات, وان يوما لابد منه ستعود الارواح فيه الى الاجساد, وسيتلاقى فيه الصالحون فيقول بعضهم لبعض ما حكاه الله عنهم: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} (٨) وسيكون حديثهم عن الضالين والجاحدين: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ *قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا


(١) - هذ الابيات لـ (صفي الدين الحلي) .
(٢) - سورة الانبياء الآية (٣٤) .
(٣) - كنوز الامثال ص ٢٨٣.
(٤) - هذا البيت للطغرائي.
(٥) - سورة الرحمن الآيتان (٢٦-٢٧) .
(٦) - سورة القصص الآية (٨٨) .
(٧) - هذه الابيات لـ (محمود الوراق) .
(٨) - سورة الطور الآيات (٢٥-٢٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>