للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجته في ذلك قول أهل اللغة: "أن الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي"، والإثبات لا يكون إلا بدليل مثبت (١).

وقال الله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} (٢) أي: إلا خمسين عاما لم يلبثوا، إلا أنه لم يذكر ذلك إيجازا، فعنده لا يثبت الحكم في المستثنى مع أن صدر الكلام بوجبه لنصّ يعارضه لا لعدم الموجب، وإذا كان الاستثناء إخراجا بطريق المعارضة، لا يَخرج إلا القدرُ المتيقن.

ولمحمد في المسألة (٣) وجهان:

أحدهما: أن الاستثناء ليس بإخراج بطريق المعارضة (٤)، لأن ذلك جمع بين


= لبيان ما لم يرد بأول الكلام، لا أنه إبطال ما ثبت. انظر "مغني المحتاج" ٢/ ٣٢٢.
(١) أجاب الإمام السرخسي عن هذا الاستدلال بقوله: أما قول أهل اللغة: "الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي، فإطلاق ذلك باعتبار نوع من المجاز؛ فإنهم كما قالوا هذا فقد قالوا إنه استخراج، وإنه عبارة عما وراء المستثنى، ولا بد من الجمع بين الكلمتين، ولا طريق للجمع سِوى ما بينا، وهو أنه باعتبار حقيقته في أصل الوضع عبارة عما وراء المستثنى، وهو نفي من الإثبات، وإثبات من النفي باعتبار إشارته على معنى أن حكم الإثبات يتوقّت به كما يتوقت بالغاية، فإذا لم يبق بعده ظهر النفي لانعدام علة الإثبات، فسمي نفيا مجازا. "أصول السرخسي" ٢/ ٤١.
(٢) سورة العنكبوت، الآية: ١٤.
(٣) "و في المسألة" ساقط من (ج) و (د).
(٤) دليل المعارضة في الحكم إنما يتحقق في الإيجاب دون الخبر لأن ذلك يوهم الكذب باعتبار صدر الكلام ومع بقاء أصل الكلام للحكم لا يتصور امتناع الحكم فيه بمانع، فلو كان الطريق ما قاله الخصم لاختص الاستثناء بالإيجاب كدليل الخصوص ودليل الخصوص يختص بالإيجاب. "أصول السرخسي" ٢/ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>