للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليلين المتنافيين، أحدهما يوجب، والآخر ينفي في زمان واحد، وأنه تناقض، وكلام الله تعالى منزّه عن ذلك، بل الاستثناء تكلّم بالباقي بعد الثُنْيا (١) بطريق البيان، وإنما يكون بيانا إذا لم يكن ثابتا من الأصل، لا أنه كان داخلا ثم خرج، دلّ عليه كلمة الشهادة (٢)، فإن المثبت فيها غير داخل في النفي أصلا.

وقوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} (٣)، فخمسون (٤) تعرّض للعدد المذكور أوّلا لا لحكمه، لأن "الألف" لو بقيت ألفا لا تصلح اسما لما دونها (٥).

والدليل عليه أنه لو قال: "لفلان عليّ ألف إلا مائة" يلزمه تسعمائة (٦)، وإنما لا


(١) بضمّ الثاء وسكون النون وألف مقصورة في آخره، بوزن "الدنيا": اسم من الاستثناء. "المصباح المنير" ص ٨٥، "المغرب" ١/ ١٢٤.
(٢) يقصد كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله"، وانظر "أصول السرخسي" ٢/ ٣٧.
(٣) سورة العنكبوت، الآية: ١٤.
(٤) "فخمسون" ساقط من (ج) و (د).
(٥) فصّله السرخسي في أصوله بأن "الألف" اسم موضوع لعدد معلوم، فما يكون دون ذلك العدد يكون غيره لا محالة، فلولا الاستثناء لكان العلم يقع لنا بأنه لبث فيهم ألف سنة، ومع الاستثناء إنما يقع العلم لنا بأنه لبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما. وقال في موضع آخر: "الألف" اسم لعدد معلوم ليس فيه احتمال ما دونه بوجه، فلو لم يجعل أصل الكلام هكذا لم يمكن تصحيح ذكر الألف بوجه، لأن اسم الألف لا ينطلق على تسعمائة وخمسين أصلا. انظر "أصول السرخسي" ٢/ ٣٥ و ٣٩.
(٦) قوله: "لفلان عليّ ألف درهم" مقتضاه وجوب العدد المسمّى في ذمته، ويتغير ذلك بقوله "إلا مائة" لا على طريق أنه يرتفع بعضَ ما كان واجبا ليكون نسخا، فإن ذلك هذا في الإخبار عن الماضي غير محتمل، ولكن على طريق أنه يصير عبارة عما وراء المستثنى، فيكون إخبارا عن

<<  <  ج: ص:  >  >>