للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن الاستثناء إذا ورد على غير ما تلفّظ به يصح، وإن ورد على عين ما تلفّظ به لا يصح (١)؛ لأن الاستثناء إخراج البعض بطريق البيان، أو تكلّم بالباقي بعد الثُنْيا (٢)، ولا يصحّ إلا في البعض، فإذا ورد الاستثناء على غير ما تلفّظ به، يحتمل أن يكون المستثني بعض الجملة، فكان له وجه الصحة، فيصح. وإن كان يبطل به الإيجاب في الآخرة إذا صار كلا حكما؛ لأن الاستثناء تصرف في اللفظ، لا في الحكم.

فأما إذا ورد الاستثناء على عين ما تلفّظ به، كان استثناء الكل، وأنه باطل بالإجماع (٣)، ليس له وجه الصحة؛ لأنه تعطيل وإلغاء، والكلام لا يحتمل الإلغاء (٤)


= مستقل، ص ٨٠٧، وذكر في هذا الباب أحكام الوصية بمثل نصيب وارث معين، ومثل نصيب وارث معدوم، ومسائل هذا الباب حسابية ترجع إلى بيان استخراج القدر المستحق من الوصية. راجع للمسائل: "مختصر الطحاوي" ص ١٥٧، "مختصر اختلاف العلماء" ٥/ ٢٣، "بدائع الصنائع"، ٧/ ٣٥٦، ٣٥٨، و "المبسوط" ٢٨/ ٥٠، "اللباب شرح الكتاب" ٤/ ١٧٥، "فتح القدير" ٨/ ٤٤٣.
(١) نص عليه السرخسي في أصوله بأن الاستثناء إنما يصح إذا كان المستثني بعض ما تناوله الكلام، ولا يصح إذا كان جميع ما تناوله الكلام. "أصول السرخسي" ٢/ ٣٨.
(٢) بضمّ الثاء وسكون النون وألف مقصورة في آخره، بوزن "الدنيا": اسم من الاستثناء. "المصباح المنير" ص ٨٥، "المغرب" ١/ ١٢٤.
(٣) مما يشترط لصحة الاستثناء أن يكون المستثنى بعض المستثني منه، فالاستثناء المستغرق أي استثناء الكل باطل، لأن الاستثناء هو عبارة عن التكلم بالباقي بعد الثنيا، فباستثناء الكل لا يبقي باق، فهو باطل، سواء أكان الاستثناء موصولا أم مفصولا، وسواء كان الاستثناء عَين ما تلفّظ به أو بما يساويه، مثال لعين ما تلفظ به قوله: "نسائي طوالق إلا نسائي"، ومثال ما يساويه قوله: "نسائي طوالق إلا زوجاتي"، أما إذا لم يكن هذا الاستثناء بعين ما تلفظ به أو ما يساويه، بل كان الاستثناء بغيره فالاستثناء صحيح، لأن إيهام البقاء كاف في صحة الاستثناء، ولا يشترط حقيقة البقاء، وذلك بحسب صورة اللفظ، لأن الاستثناء تصرف لفظي فلا يضر إيهام المعني "درر الحكام" ١٢/ ١٠٣. وانظر "بدائع الصنائع" ٧/ ٣٩٤.
(٤) قاعدة: "الكلام لا يحتمل الإلغاء"، عبّر عنها قاضي خان في موضع آخر بصيغة: "الكلام وُضع للإفادة"، وهذا لأن "إعمال الكلام أولي من إهماله" مادة: ٦٢ مجلة الأحكام العدلية. لأن العقل والدين يمنعان المرء من أن يتكلم بما لا فائدة فيه، فحمل كلام العاقل على الصحة واجب انظر "درر الحكام شرح مجلة الأحكام" ١/ ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>