للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بطلان الاستثناء؛ لأن الكلام مع الاستثناء تكلّم بما وراء المستثنى، فإذا استثني جميع ما تكلم به بطل (١)، كما لو قال: لفلان عليّ ألف درهم إلا ألف درهم.

فإن قيل: الوصية تحتمل الرجوع، فإذا استثني جميع ما تكلم به، وجب أن يجعل رجوعا، تصحيحا لكلامه (٢).

والجواب عنه: أن الاستثناء ليس برجوع وضعا، والاستثناء مذكور في كتاب الله تعالي، وكلام الله تعالى منزّه عن الرجوع؛ لأن الرجوع بَدَاءٌ وتَداركٌ في الغلط، ولهذا يصح استثناء البعض فيما لا يحتمل الرجوع (٣)، كالطلاق، والعتاق، والإقرار علم أنه


(١) انظر "بدائع الصنائع" ٧/ ٣٩٤.
(٢) أسند الكاساني هذا القول إلى الإمام محمد رحمه الله، فقال في آخر كتاب الوصايا: هل تبطل الوصية باستثناء كل الموصى به في كلام متصل؟ اختلف فيه، قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله: لا تبطل، ويبطل الاستثناء، وللموصي له جميع ما أوصى به، وقال محمد رحمه الله: يصح الاستثناء، وتبطل الوصية. وجه قوله: إن الاستثناء ههنا رجوع عما أوصى به، والوصية محتملة للرجوع، فيحمل على الرجوع. ولهما: إن هذا ليس باستثناء ولا رجوع، فيبطل الاستثناء رأسا، وتبقى الوصية صحيحة، وبيان ذلك أن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، واستخراج بعض الجملة الملفوظة، ولا يوجد ذلك في استثناء الكل من الكل، والرجوع فسخ الوصية وإبطالها، ولا يتصور ذلك في الكلام المتصل. انظر "بدائع الصنائع" ٧/ ٣٩٤.
ومن الملاحظ أن إسناد هذا القول إلى الإمام محمد لا يخلو من نظر، وأن الإمام محمد يتفق مع شيخيه في هذا، كما هو واضح من خلال مسائل هذا الفصل.
(٣) انظر "أصول السرخسي" ٢/ ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>