للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستثناء؛ لأنَّه استثنى جميع ما تكلم به (١).

ولو قال: "إلا ثلث مالي يردّ على ورثتي"، كانت الوصية باطلة؛ لأن قوله: "ثلث مالي يردّ على ورثتي "كلام يصح الابتداء به؛ لأنَّه ابتداء وخبر، وإذا جعل ابتداء كان بمنزلة الاستثناء المنقطع، ولا يبقى استثناء حقيقة (٢)؛ لأن الكلام مع الاستثناء تكلم بكلام واحد، فإذا انقطع البعض عن البعض كان الكلام الثاني نسخا للأول رجوعا عنه.

كما لو أوصى بثلث ماله، ثم قال: "ردّوا ثلث مالي على ورثتي" كان ذلك رجوعا، كذلك هنا.

أما إذا لم يفرد الاستثناء بالخبر كان الكل كلاما واحدا، فيكون استثناء حقيقة، وفي حقيقة الاستثناء لا يجعل الاستثناء رجوعا لما قلنا.

وكذا لو قال: "أوصيت لفلان بثلث مالي إلا ثلث مالي يردّ على فلان بن فلان


(١) نص الإمام السرخسي في أصوله على هذه المسألة بأنه لو قال: أوصيت لفلان بثلث مالي إلا ثلث مالي"، كان الاستثناء باطلا، وإنما بطا الاستثناء لأنَّه لا يتوهّم وراء المستثنى شيء يكون الكلام عبارة عنه. انظر: "أصول السرخسي" ٢/ ٣٩، و"درر الحكام" ١٢/ ١٠٣.
(٢) قسّم الإمام السرخسي الاستثناء إلى نوعين: حقيقة ومجاز، فمعنى الاستثناء حقيقة ما بيّنا، وما هو مجاز منه فهو الاستثناء المنقطع، وهو بمعنى "لكن" أو بمعنى العطف .. وإنه ابتداء حكم .. وعلى هذا إذا قال: "لفلان على ألف درهم إلا ثوبا" فإنه تلزمه الألف؛ لأن هذا ليس باستثناء حقيقة، إذ حقيقة الاستثناء في أصل الوضع أن يكون الكلام عبارة عما وراء المستثنى، والمستثنى هنا لم يتناوله صدر الكلام صورة ومعنى حتى يجعل الكلام عبارة عنا وراءه، فيكون استثناء منقطعا. انظر "أصول السرخسي" ٢/ ٤٢، ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>