وجه الاستحسان: قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}(١)، جعل أوان الميراث ما بعد الدين، فلا يملك قبله؛ ولأن الملك يثبت للوارث بطريق الخلافة عند استغناء الميت، أما عند حاجته فلا، ولهذا لا يملك في حياته، والحاجة تبقى ببقاء الدين، فلا يملك الوارث، كما لا يملك الموصى له.
ولأن حق الغريم أكد من حق الموصى له، بدليل أن الدين يقدم على الوصية، فإذا كانت الوصية تمنع من انتقال الملك إلى الورثة في مقدار الوصية، فلأن يمنع الدين أولى.
وما قال فهو باطل بالمكاتب، فإنه ملك المولى، ولا ينتقل إلى الوارث، ولهذا لا يملك قدر الجهاز والكفن.
وإن لم يكن الدين مستغرقا، فالقياس على هذا الاستحسان أن يمنع الإرث، وهو قول أبي حنيفة الأول، ثم رجع، وقال: بأنه لا يمنع، وهو قول صاحبيه.
وقال بشر بن غياث المريسي: يمنع بقدره، ويملك الوارث ما زاد عليه لأن المانع هو الدين، فيتقدر بقدره، كما في الجهاز والكفن.
ولأبي حنيفة الأول: أن الدين وإن قلّ، فهو شاغل جميع التركة، إذ ليس البعض بجعله مشغولا أولى، فيجعل الكل مشغولا، ولا يمكن أن يشغل بعض التركة دون البعض؛ لأنَّه لو شغل البعض يمنع الإرث عن ذلك، فتقع الشركة بين الغريم والوارث، ولا تجوز أن تقع الشركة بينهما؛ لاختلاف حقهما؛ لأن حق الغريم في إبدال التركة، وحق الوارث في أعيان التركة، بخلاف الموصى له؛ لأن حقه في أعيان التركة، فيكون شريك الوارث، ولهذا لو هلك بعض المال يقضي الدين من الباقي، وكذا لو كان بعض المال غائبا، وجب قضاء الدين من الحاضر.