وأضِف إلى ذلك كله أن الإمام محمد بن الحسن الشيبانى رحمه الله (١٣٢ هـ - ١٨٩ هـ) له مكانة عظيمة بين الفقهاء المجتهدين، وله آراء ذات قيمة فقهية، واجتمع فيه ما لم يجتمع لغيره من أصحاب أبى حنيفة، من خصائص فقه العراق وفقه الحجاز وفقه الشام فقد تلقّى فقه العراق عن شيخيه أبى حنيفة وأبى يوسف، وتلقى فقه الحجاز عن شيخ المدينة الإمام مالك، وتلقّى فقه الشام عن شيخ الشام الإمام الأوزاعى، ثم تولى القضاء الذي أفاده علما وتجربة، وقرّب فقهه من الناحية العملية الواقعية، وأثر عن الإمام الشافعي رحمه الله ثناءٌ بالغ في حق شيخه محمدِ الشيباني، مدوّنٌ في كتب التاريخ، وحكى المورخ الشهير ابنُ العِمَاد الحنبلي قولَ الإمام الشافعي:"لو أنصَف الناس الفقهاءَ لَعَلموا أنهم لم يَروا مثلَ محمد بن الحسن، وما جالستُ فقيها قطُّ أفقَهَ من محمد، ولا فتق لساني بالفقه مثلَه، لقد كان يُحسن من الفقه وأسبابه شيئا يَعجِز عنه الأكابر" وقال أيضًا: "ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام والعلل والناسخ والمنسوخ من محمد بن الحسن"(١).
وكتب "ظاهر الرواية" التي رويت عن الإمام محمد رحمه الله برواية الثقات، هي: المبسوط والجامع الصغير والجامع الكبير والسير الصغير والسير الكبير والزيادات، وهي عماد النقل والمرجع الأساسي في الفقه الحنفي، ولذلك عُني بها الفقهاء من القديم، وشرح هذه الكتب عدد كبير من الأئمة والفقهاء في عصور متلاحقة، فشرحوها وخرّجوا مسائلها وأصّلوا أصولها وفرّعوا عليها، منهم الإمام الطحاوي والكرخي والجصاص الرازي وأبو الليث السمرقندي والسرخسي والبزدوي وصدر الشهيد ابن مازه وعلاء الدين السمرقندي وفخر الدين قاضي خان والحَصيري وشمس الأئمة الكردري وغيرهم، ولم تزل تلك الشروح محفوظة في خزانات العالم.
وقد نشرت كتب ظاهر الرواية كلها، كاملة أو ناقصة، محققة أو غير محققة، إلا "الزيادات"، فإنه لا يزال مخطوطا مخفيا في خزانات العالم، بعيدا عن متناول أهل العلم، وسبب تأليفه أن الإمام محمدا رحمه الله لما فرغ من تأليف "الجامع الكبير" تذكّر فروعا آخر لم يذكرها فيه، فصنّف كتابا آخر ليذكر فيه تلك الفروع، وسماه "الزيادات"، ثم تذكّر