فروعا أخرى، فصنّف كتابا آخر وسمّاه "زيادات الزيادات".
تبين بذلك أن "الزيادات" يُعدّ بمثابة تكملة "الجامع الكبير"، و"الجامع الكبير" من أهمّ مصنفات الإمام محمد وأعمقها وأدقها فقها، لاحتوائه على مسائل عَويصة وفروق فقهية دقيقة وعلل خفية، وروى ابن أبي العوام بسنده عن الأخفش ثناء بالغا في حق هذا الكتاب (١) الذي يعدّ معيارا لدى الفقهاء يختبر به تفاوت مداركهم ومبلغ يقظتهم في الفقه.
وكتاب الزيادات الذي ألّفه بعد الجامع الكبير استدراكا لما فاته، يُعدّ من أبدع كتب الإمام محمد، مروي عنه بطريق الشهرة، وعني كثير من الفقهاء بشرحه عناية كاملة، منهم الإمام السرخسي، وبرهان الدين بن مازه والإمام العتّابي، والإمام قاضي خان وشمس الأئمة الكَردري وغيرهم، إلا أننا لانجد الآن في خزائن مخطوطات العالم سِوى شرح العتابي وشرح قاضي خان.
والإمام فخر الدين قاضي خان أحد الأعلام المجتهدين البارزين، له مكانة سامية بين الفقهاء الحنفية حيث يُعدّ من "طبقة المجتهدين في المسائل"، وكبار الفقهاء المتأخرين من ابن الهمام وابن نجيم والزيلعي والحصكفي وابن عابدين كلهم يعتمدون على تصحيحه وترجيحه. وفتاواه الشهيرة نالت أسمى مكانة في الإفتاء، وتداولتها أيدي الفقهاء في كل زمان ومكان.
ويعتبر "شرح الزيادات" لقاضي خان أقوم وأنفس شرح للكتاب، والمزية الجلية المنفردة التي يتحلّى بها هذا الكتاب وتزيد قيمتَه العلمية هي أن الإمام قاضي خان سلَك فيه على "مسلك التأصيل"، ويراد به الاعتناء بتمهيد الأصول من القواعد العامّة والضوابط الفقهية أوّلا ثم التفريع عليها ثانيا، حيث التزم في مستهلّ الأبواب من بداية الكتاب إلى نهايته، بوضع تمهيد يشتمل على بيان القواعد والضوابط الفقهية التي تنبني عليها الفروع التي ذكرها الإمام محمد في الباب، وبذلك تسهل معرفة وجوه التفريعات.
ولا شك أن هذا المسلك - أي "مسلك التأصيل" - يقرّب المسائل إلى الأذهان وينمّي عقلية الباحث ويروض فكره، ويربّى ملكته الفقهية المؤهلة للاستدلال والترجيح، القادرة
(١) انظر مقدمة "الجامع الكبير" ص ٢ للأستاذ أبي الوفاء الأفغاني.