للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سياق الآية التهديد والتخويف وتعظيم الأمر، وفي ظاهر لفظ النار من ذلك ما ليس في الضمير، ألا ترى إلى قوله:

لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغني والفقيرا (١)

...

ومثل ذلك في جعل الظاهر موضع الضمير لغرض في مساق الكلام وإن اختلف المساقان، قوله تعالى: {إنا لا نضيع أجر المصلحين} (٢). و {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} (٣). ومثل ذلك في القرآن كثير. والوجه الثاني: أن الجملة الواقعة بعد القول حكاية لما يقال لهم يوم القيامة عند إرادتهم الخروج من النار، فلا يناسب ذلك وضع المضير موضع الظاهر، لأن القول لهم إنما هو بذكر النار، وليس قولهم حينئذ متقدماً عليه ذكر النار حتى يقال: لم يأت ضمير، وإنما اتفق ذكر النار قبلها عند ذكر الجملة التي قبلها خبراً عن أحوالهم، فلما سيق بعدها للإخبار بما يقال لهم في الآخرة في ذلك الوقت، ذكر الكلام على استقلاله. ألا ترى أنك لو قلت: جاءني غلام زيد، وقلت له: سافر زيد، لم يحسن وقوع الضمير ههنا موقع (٤) الظاهر، وإن تقدم الذكر. وسببه ما ذكرناه (٥). والله أعلم بالصواب.


(١) البيت من الخفيف، وهو لعدي بن زيد. انظر ديوانه ص ٦٥ (حققه وجمعه محمد جبار المعيبد - بغداد). ونسبه سيبويه لسواد بن عدي، الكتاب ١/ ٦٢. وهو من شواهد الخزانة ١/ ١٨٣، والخصائص ٣/ ٥٣، وشرح الكافية للرضي ١/ ٩٢، واللسان (نغص). والشاهد فيه إعادة الظاهر مكان المضمر.
(٢) الأعراف: ١٧٠.
(٣) الكهف: ٣٠.
(٤) في س: موضع.
(٥) في ب: بيناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>