إلا ترى أنك إذا قلت: ما جاءني زيد إلا راكبا، وما زيد إلا عالم، لم ترد نفي الركوب والعلم عمن عداه، وإنما أردت هذه الصفات له، وذلك ثابت. فإن قلت: فيلزم أن يكون ثم منفي عام، وهذا مثبت منه دونه، فيكون المعنى إثبات هذه الصفة له دون غيرها من الصفات، ونحن نقطع بأن ذلك غير مستقيم، فإنك إذا قلت: ما زيد إلا عالم، لم يستقم نفي جميع الصفات عن زيد، إذ لا بد أن يكون على صفات متعددة غير العلم، فهذا إشكال غير الأول. فالجواب: أنه كان قياس هذا الباب، ولكنه أتى على غير ذلك لأمرين: أحدهما: أن ذلك لو اعتبر لا متنع استعمال هذا الباب فيه، فيفوت كل معناه منه. والثاني: أنهم قصدوا إثبات ذلك ونفي ما يتوهم المتوهم مما يضاد ذلك. وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - (١): "لا صلاة إلا بطهور". فإن المعنى إثبات الطهارة للصلاة المشروعة لا إثبات الطهارة لها خاصة حتى يلزم أنها إذا وجدت، إذ قد توجد الطهارة ولا تكون الصلاة مشروعة لفوات شرط آخر.
[إملاء ٨٣]
[وجه عدم نصب الظرف المختص م الأمكنة بتقدير في]
وقال ممليا: إنما لم ينصب المختص من الأمكنة بتقدير "في" كما انتصب المبهم منه وظرف الزمان مطلقا، لثلاثة أمور: أحدها: أنه لو فعل ذلك فيه لأدى إلى الالباس بالمفعول به كثيرا. ألا ترى أنك تقول: اشتريت يوم الجمعة وبعت يوم الجمعة واسكنت يوم الجمعة وبوأت وما أشبه ذلك، ولا يلبس كونه ظرفا. ولو استعملت الدار ونحوها هذا الاستعمال لا لتبس بالمفعول. الثاني: هو أنه لما دخل في مسماه ما اختص به أشبه ما ليس بظرف
(١) رواه مسلم (طهارة: ٢)، وأبو داود (طهارة: ٣)، والترمذي (طهارة:١)، والنسائي (طهارة: ١٠٣). وابن ماجة (طهارة: ٢)، والدارمي (صلاة: ٢٠).