للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إملاء ١٣٤]

[الكلام في إعراب قوله تعالى: {أبعث الله بشراً رسولا}]

وقال أيضاً ممليا على قوله تعالى: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولا} (١):

(رسولاً) نعت لبشر، والمعنى: إنكارهم بشراً موصوفاً بصفة الرسالة. وقول الجرجاني (٢): إنه لا يستقيم أن يكون صفة لما يؤدي إليه أن يكون رسولا قبل البعث، ولا يستقيم، أخذاً من أن الصفة يجب ثبوتها للموصوف قبل الحكم، فيلزم ذلك غلط. والجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن ما ذكره إنما يكون في الإثبات لا في النفي، والإنكار نفي. ولو كان ما زعمه مستقيماً لم يستقم أن يقال: ما في الوجود إله ثان، لأنه يلزمه فساده بعين ما ذكره، إذ لا يستقيم نفي ثبوته، ويعد ثبوته لا يستقيم نفي ثبوته. وحل الإشكال من وجهين: أحدهما: وهو قول الأكثرين أن نفي الجمع في مثل ذلك لم يرد على شيء بعد تحققه، وإنما معنى مثل قولك: لا تجتمع حركة وسكون: أنك تفهمت الجمع المطلق ثم نسبته إلى الحركة. والسكون، فوجدت العقل يأباه، لا أنك تعقلته مثبتاً ثم نفيته، فكذلك ما ذكرناه على توهمهم الاستحالة في أن يكون بشر رسول، وعلى هذا قولهم: يستحيل اجتماع الضدين، وجميع ما يأتيك. وهؤلاء هم القائلون باستحالة تعقل الأمر على خلاف حقيقته. الوجه الثاني: أن يكون متعقلاً في الذهن وإن كان مستحيلاً في الوجود، فينفي باعتبار الوجود وإن كان


(١) الإسراء: ٩٤.
(٢) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني. كان من كبار أثمة العربية، في النحو والبلاغة والبيان. صنف المغني في شرح الإيضاح، المقتصد في شرحه، إعجاز القرآن الكبير والصغير، الجمل، العوامل المئة. توفي سنة ٤٨٤هـ، انظر بغية الوعاة ٢/ ١٠٦، إنباه الرواة ٢/ ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>