وأما ما ذكر من أنه متصل بقوله: إني فاعل، ففاسد، إذ يصير المعنى: إني فاعل بكل حال إلا في حال مشيئة الله، فيصير منهياً عن ذلك، وهو خلاف الإجماع، إذ يصير المعنى النهي عن أن يقول: إني فاعل إن شاء الله، وإني فاعل إلا أن يشاء الله، وهذا لا يقوله أحد. وأما ما ذكر من أن بعض المتأخرين زعم أن (إلا) ههنا ليست باستثناء اتصال، فقد تقدم الكلام عليه. وإن أراد أنها ليست باستثناء أصلاً لا منقطع ولا متصل، فلا يصدر ذلك إلا عن جهل وغباوة. والله أعلم بالصواب.
[إملاء ٥٤]
[الاستثناء في قوله تعالى:{فما بعد الحق إلا الضلال}]
وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى:{فما بعد الحق إلا الضلال}(١):
يجوز أن يرتفع (الضلال) على أنه بدل باعتبار معنى: ماذا، لأن المعنى النفي، لأن الاستفهام فيه على معنى الإنكار، كأنه قيل: ما شيء بعد الحق إلا الضلال.
ويجوز أن يكون مبتدأ على تقدير استثناء مفرغ من حيث أن المعنى: ما بعد الحق إلا الضلال. ولو قيل ذلك لكان مبتدأ، فكذلك ما كان بمعناه. وإذا جاز البدل والتفريغ في الاستهام وهو على بابه في مثل قولك: هل جاءك رجل إلا زيد؟، وهل جاءك إلا زيد؟، فلأن يجوز إذا كان معناه معنى النفي أجدر. وإنما قدر الاستثناء في الآية على معنى النفي، لأنه المراد لاستحاقة تحقيق الاستفهام في حق الله تعال. وأيضاً فلو جعل الاستثناء على صورة الاستفهام