الشواهد الرئيسة. إذن فابن الحاجب كان يلجأ إلى القرآن الكريم كلما ألجأته الحاجة إلى شاهد يدعم به رأياً، أو يعلل به مسألة، أو يوضح به غامضاً. فهو يتد بالشاهد القرآني اعتداداً كبيراً، ويضعه في الذروة بين شواهده، وهو يستعين به في عرض مسائل النحو ومناقشتها.
ما شواهده من الشعر فقليلة بإزاء شواهده القرآنية قلة ظاهرة. فهو يلجأ إلى القرآن يستعين بشواهده، فإنْ أسعفه فقد وصل إلى هدفه، وإنْ لم يسعفه لجأ إلى شعر العرب يستعين بالشواهد الفصيحة، ولا يقبل شاهداً شاذاً أو نادراً، ولا يقيس عليه جرياً على مذهب البصريين. ومعظم شواهده معروفة في كتب النحو. وقد أورد أبياتاً لشعراء محدثين، وكان الهدف منها الاستدلال على مسائل أدبية أو لوية أو بلاغية، ليس لها علاقة بقضايا النحو.
وأما شواهده من الأحاديث الشريفة فكانت قليلة جداً. فما أملي عليه واستشهد به من الأحاديث بلغ ثلاثة عشر حديثاً قط، بعضها ليس له علاقة بمسائل النحو. وابن الحاجب في ذلك نهج منهج النحاة الذين سبقوه.
[الآراء التي خالف بها جمهور النحاة]
عرفنا فيما سبق أن ابن الحاجب كان يميل إلى المذهب البصري، وأنه تابع البصريين في مسائل كثيرة، وسايرهم في المنهج والقياس وإعمال المنطق، ولجأ إلى التعليل والتأويل في تأييد وإسناد الآراء التي يميل إليها. ولكن يجب أن نعرف أنه لم يكن إمعة متابعاً من غير وعي. يتقصى أقوال البصريين وغيرهم، ثم يكون له فيها رأي أو اختيار. فقد كان له من هذه العدة الجدلية التي أوتيها بحكم ثقافته الواسعة في الفقه والأصول، واتصاله المباشر يكتب النحو، ما أمده بقدرة عالية من التمحيص وعرض الآراء، والإسهاب في التأويلات، وتعليل كل حالة من الإعراب وعوامله. ومن هنا كان له في كثير من