نفس المقصود هو الملفوظ به. ومع ذلك فإنهم قد وضعوا لفظا دليلا على لفظ آخر وإن كانوا في غنية عنه تارة لاختصارهم وتارة لتصرفهم. فمثال ما وضعوه لاختصارهم قولك في قصيدة: هذه القصيدة حسنة. فقولك: القصيدة، لفظ دال على لفظ للاختصار، لأنه أخصر من أن تذكر القصيدة وتخبر عنها بقولك: حسنة، وإن كا ذلك ممكنا. وكذلك قولنا: سورة البقرة والفاتحة، وما أشبه ذلك ومثال ما وضعوه لتصرفهم في الكلام كقولك لمن قال: خرجت من البصرة، هذا الحرف الذي قبل البصرة يجر ما بعده. فلم يكن هذا لاختصار، لأن قولك: من، أخصر منه، وإنما هو من تصرفتهم لاتساعهم في الكلام، وقد يكون لرفع لبس كقولك لمن قال: زيد كريم، لفظ المبتدأ حسن، لأنك لو قلت: زيد حسن، لتوهم أنك تعني نفس المدلول. فإذا ذكرته بهذه الصيغة ارتفع هذا الوهم. وإنما سوغه في الموضعين كونه على قياس أوضاعهم، فأجروا ما لو يضطروا إلى الوضع له مجرى ما اضطروا فيه إلى الوضع.
[إملاء ٥٢]
[فظ الحرف باعتبار معناه لا يخبر به ولا عنه]
وقال ممليا [بدمشق سنة سبع عشرة وستمائة](١): المحكوم بكونه لا يخبر به ولا عنه إنما هو ألفاظ الحروف باعتبار معانيها المستعملة فيها، فأما قوله: الحرف، فليس من ذلك. وكذلك قولهم: من: حرف جر، فإنه قد أخبر عن الحرف، ولولا أنه خبر عن الحرف لم يصدق قوله: حرف جر. ولكن ليس ذلك المعني بقولهم، فإن هذا لم يخبر عنه باعتبار لفظه ومعناه المستعمل هو فيه، وإنما أخبر عنه باعتبار لفظه، وهو بهذا المعنى اسم. ألا ترى أنك تقول:" من" مبتدأ، و"حرف" خبر مبتدأ، ولا يقع كذلك إلا الأسماء.