للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن أتاكم عذابه بياتا أو نهاراً ماذا يستعجل منه المجرمون} (١).

قيل: معنى (أرأيتم) التعجب (٢)، أي: ما أعجب أمركم إذا أتاكم العذاب، واستعمل (أرأيت) في هذا المعنى لملازمة الرؤية فيما يعظم وقعه حتى صار في المعنى كأنه ما أعجب، فيكون جواب الشرط مستفاداً مما في معنى أرأيتم، أي: إذا أتاكم العذاب فما أعظم أمركم!، ويكون قوله: (ماذا يستعجل منه المجرمون) تقريراً لما ارتكبوه مما يؤدي إلى سوء منقلبهم الذي يعظم أمره حتى يتعجب منه، لأن العذاب الذي استعجلوه هو المفضي بهم إلى الحال الشنيعة التي لا مخلص لهم منها، فيحسن الابتداء على هذا بقوله: (ماذا يستعجل). وأخرج الكلام مخرج الغيبة بقوله: المجرمون، وإن كان المعنى: على ماذا تستعجلون؟ تنبيهاً لإبانة الصفة التي نشأ التجرو منها وهو الإجرام، وهو باب من بديع الكلام.

وقيل: معنى (٣) (أرأيتم) أي: أخبروني، واستعمل (أرأيتم) في هذا المعنى لكثرته في التعجيب، والتعجيب مستلزم لطلب الخبر، فيكون جواب الشرط مستفادا من معنى (أرأيتم)، ويكون (ماذا يستعجل) معمولا لمعنى أخبروني، والمعنى: ماذا تصنعون (٤) إذا وقع مما تستعجلونه (٥)، فاستعمل السبب موضع المسبب تنبيهاً على أنهم الذين يوقعون أنفسهم لتسببهم إلى مالا مخلص لهم منه، فكان أحسن لذلك من ذكر المسبب في المعنى المقصود.


(١) يونس: ٥٠.
(٢) قال الزمخشري: "ويجوز أن يكون معناه التعجب، كأنه قيل: أي شيء هول شديد يستعجلون منه، ويجب أن تكون من للبيان في هذا الوجه". الكشاف ٢/ ٢٤٠.
(٣) في م: المعنى. والصواب ما أثبتناه. لأن المعنى يقتضيه.
(٤) في ب: يصنعون. والصواب ما أثبتناه.
(٥) في ب، د، م: يستعجلونه. والصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>