للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللجاج والعناد. وإذا لاطفوهم ولانوا لهم في القول، وطلبوا المناصفة كان ذلك أدعى إلى القبول وانتفاء العناد واللجاج.

وقوله: {وقالوا لنا أعمالنا}، إنما قدموا ذكر أعمالهم لأنها عندهم ليست بالجيدة، فقدموها وأثبتوا عاقبة أمرها لأنفسهم، مثل قوله: {وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم} (١). وقدم الخبر في قوله: لنا أعمالنا، دفعاً من أول الأمر لوهم أن يكون منسوباً إلى غيرهم ليقوي المعنى المقصود من جميع وجوهه.

وقوله: {سلام عليكم}، ليس من باب: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} (٢)، لأن ذلك لم يأت في ظاهر الأمر إلا منصوباً. لأن المعنى المسالمة، أي: سالمونا ونسالمكم. ويجوز أن يكون منه، وعدل إلى الرفع، كما عدل في التحية إلى الرفع في الوجه المختار. ويجوز أن يكون ذلك منهم قصداً في الدعاء لهم إلى الإرشاد، وليكون (٣) أبلغ في المقصود الذي توخوه في الرفق واللين. ويجوز أن يكون مستعملاً بينهما على معنى الإعراض على مثل ذلك، لأنه كثر استعماله في العرف عند المفارقة، فلما قصد إلى معنى المفارقة استعمل ما هو مستعمل عندها، كما تقول لمن يأتي بما تكرهه: سلام عليكم، تريد أنك إن دمت على هذا كان سبباً لمفارقتك.

وقوله: {لا نبتغي الجاهلين}، يجوز أن يكون من خطابهم لهم، ولا يلزم أن يكون في لفظهم ذكر الجاهلين. وإنما ذكر الجاهلين عند حكاية قولهم من كلام الحاكي، إذ المقصود تعريف الذات المقول لها ذلك للمخاطبين، كما


(١) يونس: ٤١.
(٢) الفرقان: ٦٣.
(٣) في م: ويكون. وما أثبتناه هو الصحيح، لأن الكلام في سياق التعليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>