للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: إن قيل لم جاء بعلى والقياس والاستعمال يقتضي في؟ أما القياس فلأنه بمعنى الظرفية، كقولك: قعدت في الدار. وأما الاستعمال فلقوله: {قلنا احمل فيها} (١) {فاسلك فيها} (٢). فالجواب: أن (على) في هذا الموضع أوضح، من حيث إن غيره مما ذكر فيه ما يكون باطن الفلك، وهو الأكثر، فغلب، فكانت (في) أحسن لتحقق معنى الظرفية وبعد معنى (على)، لأن المذكور محمولا ثم الأزواج كلها، وكان أكثرها في باطن الفلك، وأعلى السفن مخصوص بالآدميين على ما هو العادة، فلما خصوا في قوله: (وعليها وعلى الفلك تحملون)، كانت (على) أوضح. وفي هذا الموضع لم يرد ذلك المعنى من الأزواج وإنما أريد المخاطبون خاصة، وليسوا في العادة في باطن الفلك، وإنما يكون على ظاهرها، فأتى بما يدل على معنى الاستعلاء تنبيهاً على هذا المعنى، وهذا أحسن ممن يقول: إنما أتى بـ (على) لتقدم (على) في قوله: (وعليها)، لما بين الفلك وبين الإبل من مشاكلة الحمل، فلما أتى بـ (على) في حمل الإبل أتى بـ (على) في الآخر، لأن هذا مراعاة أمر لفظي، وما تقدم مراعاة لأمر معنوي، ولأنه بعينه يقتضي المخالفة من وجه آخر، لأن تكرير الحرف بالمعنى الواحد ليس من باب المجانسة ولا البديع، فلا يحسن أن يخالف الأصل لأجله.

فإن قيل: لو استقل ما ذكرتموه في استحسان (على) لكانت (على) أحسن في قوله: {إنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} (٣). وقد جاء بـ (في) فدل على أن ما ذكر من تقدم. (على) هو السبب. فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن المراد التنبيه على ذلك المعنى المذكور في قوله: احمل فيها، فاختصر الكلام للعلم به، فجري الأمر فيه على


(١) هود: ٤٠.
(٢) المؤمنون: ٢٧.
(٣) يس: ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>