للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى البيت: أنه يقول عرفت ديار أحبتي في هذا الموضع المعروف بـ "أطرقاً" في حال كونها باليات خيامها عافيات آثارها لكثرة شغفه بها وبحثه عنها، فعرفها في حال خفائها لغرامه بها ودروس ما فيها حتى لم يبق بها مبيناً إلا الثمام والعصى كالأوتاد وآلات البيوت.

وباليات: يروي منصوبا وهو الصحيح، وقد جاء مرفوعا. فالنصب على أنه حال من الديار، والمعنى عليه على ما تقدم. والرفع على أن يكون البيت مستقلاً في معناه من غير نظر إلى ما قبله، فيكون مبتدأ به، كأنه قال: على أطرقا منازل باليات خيامها، ويكون خبره: على أطرقا. وهو ناشئ عن توهم استقلال البيت وقطع النظر عما قبله.

وقوله: إلا الثمام وإلا العصي، جاء مرفوعاً، وليس بالجيد، وجاء منصوباً، فيطلق العصي ويحذف منه الياء الثانية على ما هو أصل في مثله، إذ كل ما آخره حرف مشدد وبنيت قافيته على الوقف فواجب فيه حذف الثاني، وإن كان حرفا صحيحا فهو في المعتل أشبه.

ووجه النصب في الثمام ظاهر، وهو أنه مستثنى من كلام موجب مع كونه من غير الجنس، فقوي النصب من الوجهين جميعاً، والرفع ضعيف جداً. وإنما جاء الوهم فيه من جهة أن القوافي كلها إذا رفعت استقامت إعراباً ووزناً على أصل عروضه لأنه من المتقارب، وأصل المتقارب فعول ثماني مرات كاملة كقوله:

فأما تميم تميم بن مر ... فألفاهم القوم روبي نياما (١)


(١) البيت من المتقارب وهو لبشر بن أبي خازم. انظر ديوانه ص ١٩٠ (تحقيق الدكتور عزت حسن). وهو من شواهد سيبويه ١/ ٨٢. وانظر البيان والتبين للجاحظ ٣/ ٤٤ (دار الفكر). وأدب الكاتب لابن قتيبة ص ٦٤ (تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد) والإيضاح لابن الحاجب ١/ ٣١٣. وروبي: الذين استثقلوا نوماً. اللسان (روب).

<<  <  ج: ص:  >  >>