بين: هذه هي الظرف الذي يقضي أن يكون المنسوب هو إليه متعدداً مخفوضاً بالإضافة إليه كقولهم: المال بين زيد وعمرو. وجئتك بين الظهر والعصر، وما أشبه ذلك. إلا أنهم لما قصدوا إلى نسبتها إلى أوقات نسبة حذفوا الأوقات وعوضوا عنها حرفا من الكلام وهو ما، أو حرفا من الكلام وهو الألف، وذكروا الجملة التي المقصود نسبة "بين" إلى أوقات نسبتها، فوجب حكاية الجملة على ما هو عليه، مثلها في: ربما زيد قائم، فقالوا: بينما نحن بمكان كذا. وهو منصوب على الظرف معمول لما يذكر معه من الجملة التي وقع نسبتها فيه، كقولك: بينما نحن بمكان كذا طلع علينا فلان، ومعناه باعتبار إعرابه. وأصله: طلع علينا في الوقت الذي يتخلل طرفيه وقوع هذه النسبة. ومن ثم لم يستفصح الأصمعي (١) دخول إذ وإذا مع الفعل لما فيه من بقاء الظرفين من غير عامل ظاهر يعمل فيهما. لأنك إذا أدخلت "إذ" صارت كأنها بدل من "بينما"، ومنعت أن تعمل "طلع" فيما قبلها، فيصير ظرف مذكور من غير عامل يستقل كلاما. ووجه دخول، "إذ" أن يكون ظرفاً معمولا للمفاجأة مثل "إذا" في قولك: خرجت فإذا زيد بالباب، أي: فاجأته، أي: وجدته فجأة، أي: اتفاقا. فيكون "بينما" أيضاً معمولا لذلك، أي: فاجأت طلوع فلان في الوقت الذي بين الطرفين المذكورين على ما تقدم، إلا أن فيه زيادة تقدير على حذفها. ومعلوم أن حذفها أجرى وأقعد باعتبار زيادة التقدير. ولذلك لم يستفصحه الأصمعي. ويقوي إثباتها أن المتكلم قاصد إلى المفاجأة، وهي معنى مقصود. وإذا كان معنى مقصودا وجب الإتيان بما يدل عليه وهو: إذ وإذا، ويجب حذف الفعل، لأن "إذا" المفاجأة واجب حذف فعلها، فيرجع
(١) هو عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي. ولد سنة ١٢٣ هـ. وكان من أهل البصرة. قدم بغداد في أيام هارون الرشيد. وتوفي سنة ٢١٠ هـ. من كتبه. خلق الإنسان، الأجناس، المقصور والمدود، الخيل، كتاب الأنوا. انظر: طبقات النحويين واللغويين ص ١٨٣، ومراتب النحويين ص ٨٠.