للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"جعل" هذه من أفعال المقاربة التي يجب أن يكون خبرها فعلاً مضارعاً. ولضغمة: معمول ل "تطيب"، إعمال الفعل في مفعوله، وليست بمعنى المفعول من أجله، لأنه لم يرد أنها طابت لأجل الضغمة، وإنما طابت بها. والتعليل هو قوله: لضغمهماها، أي: طابت نفسي لما أصابني من الشدة لإصابة من قصدني بمثلها. والضغمة: العضة، فكني بها عن المصيبة. ويقال: ضغم الشدة وضغمته. وجاء البيت على الوجهين. فقوله: لضغمة، من قولهم: عضته الشدة، لقوله: يقرع العظم نابها. وقوله: لضغمهماها من قولهم: عضضت الشدة، لأن الفاعل ضمير من أصابها، وضمير المفعول ضميرها. أي: لضغمهما إياها، فهي معضوضة لا عاضة لمجيئها مفعولة لا فاعلة. ويجوز أن يكون الموضعان من: ضغمت الشدة، لأضغمتني. ويكون قوله: يقرع العظم نابها، مبالغة في أنه عض الشدة عضا قوياً بلغ منتهى ما يبلغه العض، وكنى ببلوغ الناب العظم من ذلك.

وموضع استشهاده مجيء الضميرين الغائبين متصلين وليس أحدهما فاعلا وهما ضمير الفاعلين، وهو قوله: هما، وضمير العضة وهو قولك: ها، وهو شاذ. والقياس في مثله: لضغمهما إياها، كراهة اجتماع ضمائر الغائبين البارزة من جنس واحد بخلاف ما لو اختلفا (١). والضمير الأول في موضع خفض بالإضافة، وهو فاعل في المعنى. والضمير الثاني في موضع نصب على المفعولية بالمصدر، أي: لأن ضغماها. ويقرع العظم نابها: في موضع صفة، إما لضغمة الأولى، وفصل للضرورة بالجار والمجرور الذي هو لضغمهماها، ويضعف لأجل الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي، وهو


(١) قال الشاعر:
لوجهك في الإحسان بسط وبهجة ... أنالهماه قفو أكرم والد
انظر أوضح المسالك ١/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>