للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقال: ما ضرب إلا زيد عمراً؟ فقلت له: لا يجوز، وهو مذهب المحققين. ولذلك تؤول قوله تعالى: {بالبينات والزبر} (١)، على أنه متعلق بمحذوف دل عليه قوله: {وما أرسلنا} (٢). كأنه قال: أرسلناهم بالبينات والزبر. وكذلك تؤول قوله في الدعاء: لا حول ولا قوة إلا بالله، بأنه إنما جاز لاتفاق الحول والقوة في المعنى، تنبيهاً على أنه لو اختلف لامتنع، ونبه عليه أبو علي الفارسي في تذكرته (٣). وسر ذلك أنهم إنما استعملوا الاستثناء المفرغ في الموضع الذي يجب فيه تقدير عام من جنس المذكور بعد إلا، فتكون نكرة في سياق النفي كقولك: ما جاءني إلا زيد، كأنك قلت: ما جاءني أحد إلا (٤) رجل إلا زيد (٥)، ثم حذفوا وعاملوا ما بعد إلا معاملة المحذوف في رفعه ونصبه.

فلو استعملوا بعد إلا مستثنيين لوجب أن يكون قبلها عامان (٦). فإذا قلت: ما ضرب إلا زيد عمراً، فإما أن تقول: لا عام لهما أولهما عامان، أو لأحدهما دون الآخر. الأول مخالف للباب، والثاني يؤدي إلى إثبات أمر خارج عن القياس من غير ثبت، ولو جاز ذلك في الاثنين جاز فيما فوقهما وذلك ظاهر البطلان. والثالث يؤدي إلى اللبس فيما قصد، فلذلك حكموا بأن الاستثناء المفرغ إنما يكون لواحد، وتؤول ما جاء على ما يوهم غير ذلك بأنه متعلق بما دل عليه الأول. فإذا قلت: ما ضرب إلا زيد عمراً، فنحن نجوز ذلك لا على


(١) النحل: ٤٤.
(٢) النحل: ٤٣.
(٣) ذكره بروكلمان (٢/ ١٩٣). وقال: إنه موجود في (رنجان)، وهو تفسيرات لبعض أبيات عويصة.
(٤) في د، س: أو. وهو تحريف.
(٥) إلا زيد: سقطت من ب.
(٦) في الأصل وفي س: عامين. وهو خطأ من الناسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>