ومنها: قولهم: في الدار رجل، وشبهه. والسر فيه ما ذكرناه في الفاعل، لأن حكمه ههنا لما تقدم صار كالفعل المتقدم على الفاعل فجاز ههنا كما جاز ثم. ولذلك توهم بعض النحويين أنه فاعل (١)، وحكم عليه بالفاعلية. وشرط هذا الخبر المصحح للابتداء بالنكرة أن يكون ظرفا أو ما هو في حكم الظرف من الجار والمجرور. فيجوز: في الدار رجل، ولا يجوز: قائم رجل. إما لأنهم اتسعوا في الظروف اتساعا خصصوه به دون غيره لكثرته في كلامهم، وإما لأنه إنما صحح التقديم لشبهه بالصفة، فكرهوا أن يقدموا ما هو صريح في الصفة على ما هو في المعنى كموصوفه، وليس ذلك في الظروف لأنها ليست صريحة في ذلك لوقوعها مجردة عن ذلك، ولكونها إذا وقعت صفات كان ذلك باعتبار التقدير لا باعتبارها في أنفسها. فلذلك جاز: في الدار رجل، ولم يجز: قائم رجل. والنحويون يعللون هذا، فيقول بعضهم: إنما جاز: في الدار رجل، ولم يجز: رجل في الدار، لأنك في الأول أوقعت في موضع المعرفة معرفة فنابت
عن تعريف المبتدأ، وفي الثاني لم يقع مثل ذلك، فجازت الأولى ولم تجز الثانية. وهذا ليس بمستقيم، فإنه أولا: راجع إلى صورة مجردة عن المعنى، وثانيا: منقوض بقولك: في رأس غلام عندي عمامة، وثالثا: أنه ليس فيه بيان تخصيص المبتدأ الذي أصله أن يكون معرفة، وإنما جاز أن يكون نكرة لوجه من التخصيص. وبعض النحويين علله بأن قال: إنما جاز: في الدار رجل، ولم يجز: رجل في الدار، لأن الأول لا يلبس كونه خبرا، والثاني يلبس، فجاز ثم لعدم الالباس ولم يجز ههنا لما فيه من الالباس. وهذا وأن كان فيه معنى ما، إلا أنه أفسد من الأول. لأنا قاطعون بجواز: رجل عالم في الدار، وفي الدار رجل عالم. وما.