للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولك: كل رجل عالم خير من جاهل. فكما لا يستقيم أن يقال المصحح لهذا المبتدأ الصفة، لأنك لو أسقطتها لم يستقم الكلام، فكذلك ما نحن فيه. فكان كالكذب سواء، والكلام في شروط المفردات غير الكلام في جهة التركيب. ألا ترى أنك لا تقول لمن قال: كل رجل خير من جاهل، هذا فاسد، من جهة أن الابتداء غير موصوف، وإنما تقول: فاسد من جهة أنك أخبرت بما لا يستقيم خبرا. ولو قلت الأول لكان فاسدا، فإنه حينئذ يثبت لك أنه يكون مبتدأ به من غير صفة. فيفسد القول بأن المصحح الصفة، فكذلك ههنا. فإذا ثبت ذلك فلا فرق فيما نحن فيه من أن يكون المصحح الصدق (١) وبين أن يكون المصحح استقامة (٢) الكلام في أن كل واحد منهما لا يقدح في صحة الابتداء دونه، لما قررناه، لأن الكلام في صحة كونه صدقا وكونه مستقيما أن يخبر عنه بكذا، غير الكلام في صحة كون المبتدأ مبتدأ، وإن لم يكن بد من الخبر، إلا أنه قسم اخر من أقسام فساد الكلام من جهة الكذب أو الاخبار بما لا يصح الاخبار به، فلا يؤخذ منه شرط في صحة المبتدأ، فإن ذلك يؤدي إلى اعتبار ما لا يتناهى من الشروط في المبتدأ. إذ ما من مبتدأ إلا ويمكن تقدير الخبر عنه بما لا يستقيم إلا بقيد، فيؤخذ القيد شرطا ثم يقدر الاخبار عنه بأمر اخر لا يستقيم إلا بأمر اخر فيؤدي إلى اشتراط قيود لا يوقف دونها، وهذا ظاهر الفساد. فثبت أن (مؤمن) في قوله: {ولعبد مؤمن}، وما كان مثله، لا يمكن دعوى أن تكون الصفة مصححة للابتداء بالنكرة باعتبار المعنى الذي نحن فيه على ما تقرر (٣).


(١) في ب: للصدق. والصواب ما أثبتناه.
(٢) في الأصل وفي ب، م: لاستقامة. والصواب ما أثبتناه.
(٣) قال ابن الحاجب في الإيضاح: "والمراد كل عبد مؤمن. ومثل ذلك ليست الصفة فيه بمصححة للابتداء، بل مثلها في قولك: في الدار رجل عالم. والذي يصحح ذلك صحة قولك: رجل خير من امرأة، وقولهم: تمرة خير من جرادة. وذلك جار في كل نكرة لم يقصد بها واحد مختص، فكان في معنى العموم، وذلك مصحح مستقل" ١/ ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>