أكرمتكما، وإن كان زيد بلفظ الغيبة، إلا أنه لما قصد إدخاله في حكم المخاطب وجب إخراج الكلام فيهما مخرج الخطاب. وضعف أن يكون موضع "ببكى" يبكى عليه؛ لأنه إن جعل خبرا لم يخل أن يكون "العاقل" مرفوعا به أو مرفوعا بفعل مقدر. فإن كان مرفوعا به فسد المعنى. لأنك إن جعلت الضمير للعاقل بقي المبتدأ بلا عائد، إن جعلته للمبتدأ صار مبكيا عليه بـ"يبكى"، والعاقل مبيكا عليه بـ " يبكى" فيفسد. وإن كان مرفوعا بفعل مقدر ضعف من حيث إنه يصير مخرىا عن أولاهما بـ"يبكي العاقل عليه"، فلم يكن فيه تنبيه على جهة الأولوية، ولا تنبيه على علة الأولوية وهو العقل، لأن العاقل ههنا يصير الباكي، وفيما تقدم يصير هو الأولى بالبكاء عليه. وإن جعل حالا، كان قائلا: إن أولاكما في حال كونه مبكيا عليه العاقل منكما، فيفسد المعنى، لأنه يصير إلى أن المعنى أولاكما بأمر آخر غير البكاء من حيث إنه جعل كونه مبكيا عليه حالا ثابتة، فلا يستقيم أن يكون بيانا لجهة الأولوية، وإن جعل موضع "ببكى" يبكى، غير مبني لما لم يسم فاعله من حيث الوجهان المتقدمان، وهو أنه لم يذكر جهة الأولوية لأنه جعل البكاء خبرا، وهو يخالف جهة الأولوية. وأنه جعل العاقل باكيا، والسياق يقتضي خلافهما، إذ الغرض بيان جهة الأولوية، وبيان أن الأولى بالبكاء العاقل منهما (١).
(١) قال أبو البقاء في معناه: "يقول: منازلك التي في الفؤاد يعلمن بحالك وحالهن. فهن أواهل بذكرك وأنت مقفرة من ذكر أهلك. ولست تذكرين منازلك التي في الفؤاد. أولاكما بالبكاو عليه العاقل، يعني منازل القلب. يريد: أن قلبي أولى بالبكاء لأنك جمد، لا تعلمين ما حل بك من فرقة أهلك". الديوان ٢/ ٢٥٠.