أضربك قائما وقاعدا، لم يستقم أن يقصد إلى الاجتماع لأنهما متضادان، بخلاف ما ذكرناه في " أم" فإن الأمر فيها على العكس، لأن المراد مع "أو" بالحالين إثبات أحدهما، فلو عطفت بالواو لكان المراد اجتماعهما في الحالية وهما لا يجتمان، فأدى إلى اجتماع النقيضين. ومع " أم" لا يقصد إلى أنهما مجتمعان، وإن عطفت أحدهما على الآخر وقصدت إلى أنهما متساويان. وعطف أحدهما على الآخر بالواو لمعنى التسوية واجب لا يستقيم إلا بهما. ألا ترى أنك لو قلته بغيرها لكان إما الفاء أو ثم أو حتى، وكذلك إلى آخر حروف العطف، فإن كان بالفاء وثم وحتى لم يستقم لأنها تدل على إثبات الثاني بعد ثبوت الأول، فيؤدي إلى تسوية الواحد قبل مجيء الثاني وهو محال. وإن كان بأو وإما ,أم، لم يستقم لأنها لآثبات أحد الأمرين، فيؤدي إلى تسويه نفسه وهو محال. وإن كان بلا ولكن وبل، لم يستقم لأنها لإثبات أحد الأمرين معينا، وإذا لم تثبت التسوية مع أحدهما مبهما فلأن لا تثبت مع التعيين أولى، فصار مجيء الواو في موضع " أم" المذكورة واجبا، وتبقى "أو" على معناها واجبا لما ذكرناه. فإذا تقررت هذه القواعد، فقول الشاعر:
ما أبالي أنب بالحزن تيس ... أم جفاني بظهر غيب لئيم (١)
(١) هذا البيت من البحر الخفيف وهو لحسان بن ثابت. انظر ديوانه ص ٢٢٥. وهو من شواهد سيبويه ٣/ ١٨١، والمقتضب ٣/ ٢٩٨، والرضي ٢/ ٣٧٦، والخزانة ٤/ ٤٦١، وأمالي ابن الشحري ٢/ ٣٣٤. ورواية سيبويه والمقتضب: أم لحاني. نبيب التيس: صوته عند الهياج. والحزن: ما ارتفع من الأرض. ولحاني: شتمني، وبظهر غيب: في غيبتي. ومعناه: أنه استوى عنده نبيب التيس ونيل اللئيم من عرضه في غيبته. والشاهد فيه دخول (أم) معادلة للهمزة ولا يجوز (أو) هنا، لأن قوله: ما أبالي، يفيد التسوية.