للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عسى فَرَجٌ به الله. إِنَّه ... له كلَّ يوم في خَلِيقته أمرُ

قال: وتوفي رجل من بلده، فكتب على تربته:

يا واقفين بنا، ألم تتَيقَّنُوا ... أَنَّ الحِمامَ بكم علينا قادمُ؟

لا تستغرُّوا بالحياة، فإِنَّكم ... تبنونَ، والموتُ المفرِّقُ هادمُ

لو تَنزِلونَ بشِعبنا، لَعَرَفْتُمُ ... أَنَّ المفرِّطَ في التَّزَوُّد نادمُ

ساوَى الرَّدَى ما بينَنا، فأحَلَّنا ... حيثُ المُخَدَّمُ واحدٌ والخادمُ

الأديب أبو المظفر مفلح بن علي بن يحيى بن عباد الأنباري من شعراء الدولة المستنجدية. وقد مدح المقتفي أيضاً، رحمه الله تعالى.

ذكر أنه من كلاب، بن ربيعة، بن عامر، بن صعصعة، بن معاوية، بن بكر، بن هوازن.

وكان خصيصاً بالوزير عون الدين، بن هبيرة: يصلي به في السفر والحضر، ويتولى له أخذ الزكاة من غنم الخالدية، وهو عامل المنثر، وأكثر شعره فيه.

فلما توفي الوزير، ونكب جماعته، رقي عنه أنه نظم شعراً يعرض فيه ببعض الصدور، فأخذ وحبس في حبس الجرائم، وعوقب مراراً، وأخرج ميتاً بعد سنة من حبسه يوم الاثنين ثاني عشر شعبان سنة إحدى وستين وخمس مئة.

كان أديباً فصيح اللهجة، مليح العبارة، يتبادى في إنشاده وإيراده، ويسلك أسلوب العرب.

ذكر أنه كان معلماً للأدب قبل اختصاصه بالوزير.

فمما أنشدنيه لنفسه، من قصيدة يمدح فيها الوزير عون الدين، سمعته ينشد الوزير ثانياً سنة سبع وخمسين وخمس مئة:

أثَغْرُكِ ثغرُ الأُقْحُوانةِ، أم دُرّ؟ ُ؟ ... وأَرْيٌ بفِيكِ الباردِ العَذْبِ، أم خمرُ؟

وصبحٌ بدا في جنْح ليلِ ذَوائبٍ، ... أمِ الشَّمسُ من تحت السِّجاف، أمِ البدرُ؟

وماذا الَّذي أدمى صحيفةَ خدِّها؟ ... أَلَحِظْي بها، أم دَبَّ من فوقِها الذَّرُّ؟

وما أثَرٌ فوقَ التَّرائبِ بَيِّنٌ؟ ... أَلِعقد لَمّا جال من فوقها إِثْرُ؟

أَناة من البِيض العِفاف، نِجارُها ... من العُرب يَنْمِيها غَزِيَّةُ أو عَمْروُ

إذا الحَضَريّاتُ النَّواعمُ أشرقتبهِنّ وقد مِسْنَ الرُّصافةُ والحَسْرُ،

سَنَحْنَ لنا ما بينَ فَيْدَ وحاجِر ... ظِباءَ نَقاً، يُزْهَى بها الضّالُ والسِّدْرُ

يَمِسْنَ كأغصان من البان هَزَّها ... نسيمُ الصَّباحِ فَهْيَ مَجّاجةٌ خُضْرُ

تقسَّم قلبي ب العُذَيْب وبانِهِ ... كواعبُ، لا نهيٌ عليها ولا أمرُ

فلا أجرَ إلا في مُعاناة هَجرها ... ولا وِزْرَ إلاّ في الَّذي ضَمَّت الأزْرَ

ومنها:

ومَرْت، كظهر التُّرْس، زِيَزْاء مَجْهَل ... تَتِيهُ به، من دَرْس أعلامِها، السَّفْرُ

ومنها:

وليل، عَطَطْنا ثوبَه بقَلائص ... هِجانٍ، يُنَزِيّها التَّحَلْحُلُ والزَّجْرُ

إذا انقضَّ فيه النّجمُ، آنسَ قلبُه ... من الفجر قُرباً، فاستطارَ به الذُّعْرُ

أكان له بالفجر أقربُ نسبةٍ ... فصالَ عليه؟ أم له عندَه وِتْرُ؟

فلمّا نَزَلْ نَفْرِي حُشاشةَ قلبِه ... إذا ما خلا قفرٌ يعارضُنا قفرُ

إِلى أنْ سمت خيلُ الصَّباحِ، فكشَفت ... أَدانيه عن قُطر، ورِيعَ لها قُطرُ

كأنَّ ابيِضاضَ الفجرِ في أُخْرَياته ... مواهبُ يَحْيى، أو خلائقُه الزُّهْرُ

فتى، أَنْشَرَ العلياءَ من بعدِ موتِها ... فعادَ لها من بعدِ ما طُوِيت نَشْرُ

وجدَّد أيّاماً من العدل أخلقت ... فعادَ لها من بعدِ نسيانها ذِكرُ

بطلعته تَثْني الخطوبُ نواكصاً، ... وتستبشرُ الدُّنيا، ويستنزلُ القَطْرُ

أغَرُّ، تخالُ البِشرَ في قَسَماته ... وَمِيضَ حُسامٍ راق قي مَتْنه أَثْرُ

وأعنقَ في سُبْل العلى وأخافَها ... فمسلكها صعبٌ على غيره وَعْرُ

ومنها:

<<  <  ج: ص:  >  >>