تُقَلِّدُهُمْ من دُرِّ نحري قلائداً ... ولو شئتُ عادت عن قليلٍ أفاعيا
ومنها:
ولو كنتُ أنصَفْتُ المدائح فيهمُ ... لصيَّرْتُها للأَكرمينَ مراثيا
وقوله:
لا ترجُ ذا نقصٍ ولو أصبحتْ ... من دونه الرتبةِ، الشمسُ
كيوانُ أَعلى كوكبٍ موضعاً ... وهو إذا أَنْصَفْتَهُ نَحْسُ
وقوله في ذم الزمان:
كم كنت أسمع أن الدهرَ ذو غِيَرٍ ... فاليومَ بالخُبْرِ أَستغني عن الخَبَرِ
ومنها:
تشابَهَ الناسُ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ ... تَشَابُهَ الناسِ والأصنامِ في الصُّوَرِ
ولم أَبِتْ قطُّ من خَلْقٍ على ثِقَةٍ ... إلا وأصبحتُ من عقلي على غَرَر
لا تخدَعَنِّي بمرئيٍ ومُسْتَمعٍ ... فما أُصُدِّقُ لا سمعي ولا بَصَري
وكيف آمَنُ غيري عند نائبةٍ ... يوماً إذا كنتُ مِنْ نفسي على حَذَر
تأبى المكارمُ والمجدُ المؤثَّلُ لي ... من أَنْ أُقيم، وآمالي على سَفَرِ
إني لأَشْهَرُ في أَهلِ الفصاحة مِنْ ... شمسٍ وأَسْيَرُ في الآفاق من قمرِ
وسوف أَرْمي بنفسي كلَّ مهلكةٍ ... تَسْرِي بها الشهبُ إن سَارَتْ على خَطَرِ
إِمَّا العُلاَ، وإليها مُنْتَهَى أَملي ... أَو الرَّدَى، وإِليهِ مُنْتَهَى البَشَرِ
وقوله:
لا تُنْكرَنَّ من الأَنَامِ تَفَاوُتاً ... إذ كان ذا عَبْداً وذلك سَيِّدَا
فالناسُ مثلُ الأرض منها بُقْعَةٌ ... تَلْقَى بها خَبَثاً وأُخْرَى مَسْجِدا
وقوله:
ومن نكد الأيام أَنِّي كما تَرَى ... أُكابدُ عيشاً مثلَ دهريَ أَنْكَدَا
أَمِنْتُ عِداتي ثمَّ خِفْتُ أحبَّتي ... لقد صدقوا، إِنَّ الثقاتِ هُمُ العِدَا
ومن شعره في عدة فنون قوله:
لا تَطْمَعَنْ فيَّ أرضٌ أَنْ أُقيمَ بها ... فليس بيني وبين الأَرضِ من نَسَبِ
حيث اغتربتُ فلي من عفَّتي وَطَنٌ ... آوي إِليه وأهلٌ من ذوي الأدبِ
لولا التنقلُ أَعْيَا أن يَبينَ على ... باقي الكواكب فضلُ السَّبْعَة الشُّهُب
وقوله في شمعة:
ومصفرَّةٍ لا عن هَوىً غير أَنَّها ... تحوزُ صفاتِ المستهام المُعَذَّبِ
شجوناً وسُقْماً واصطباراً وأَدْمُعاً ... وخَفْقاً وتسهيداً وفرطَ تَلَهُّبِ
إذا جَمَّشَتْها الريحُ كانت كمِعْصَمٍ ... يردَّ سلاماً بالبَنانِ المُخَضَّب
وقوله:
لئن زادني قُرْبُ المَزَارِ تَشَوُّقاً ... للقياك، آذى فِعْلَهُ عَدَمُ الحسِّ
فما أنا إلا مثلُ ساهرِ ليلةٍ ... بدا الفجرُ فازداد اشتياقاً إلى الشمس
القاضي أبو الفتح
محمود بن إسماعيل بن حميد الفهري
وأصله من دمياط وذكره أبو الصلت في رسالته وقال: محمود بن إسماعيل الدمياطي كاتب الإنشاء بالحضرة المصرية. قال القاضي الفاضل توفي سنة إحدى وخمسين، وأنشدني له أشعاراً محكمة النسج كالدر في الدرج. علق بحفظي من قصدية هائية هذا البيت:
أَثَرُ المشيبِ بفَوْدِه وفُؤَادِه ... ألجاه أَنْ يَبْغي لديها الجاها
وأنشدني له في ابن الزبير وكان أسود:
يا شبه لقمانَ بلا حكمةٍ ... وخاسراً في العلم لا راسخا
سلخت أَشعارَ الورى كلِّهِمْ ... فصرتَ تُدْعَى الأَسْوَدَ السالخا
وأنشدني الأمير مرهف بن مؤيد الدولة أسامة بن منقذ لأبي الفتح ابن قادوس في رجل كان يكبر كثيراً في الصلاة:
وفاترِ النيَّةِ عِنِّينِهَا ... معْ كَثْرَةِ الرِّعْدَة والهِزَّهْ
مُكَبِّرٌ سبعينَ في مَرَّةٍ ... كَأنَّهُ صلَّى على حَمْزَهْ
وأنشدني قوله أيضاً:
ولائمٍ يلومني ... يريدُ مِنِّي تَوْبتي
يقولُ لي: الموتُ غداً ... فقلت: هذا حُجَّتِي
وأنشدني قوله أيضاً في طبيب: