وأضحتْ دروسي دارِساتٍ فليتني ... لحِقْتُ بها فالموتُ عندي مُحَبَّبُ
فيا ليتَ شِعري سائرُ الخلق هكذا ... فأحمدَ عيشي أم على الدهر أعتِبُ
ومنها في شكواه من التركي يريد من ممدوحه أن يكون المُعدي عليه والمشكي:
بُلِيتُ بمَكحولٍ جفا الكُحْلُ جَفنَهُ ... وذلك من كُحْلِ العَمى يتَشَعَّبُ
أَناخَ بمَغنايَ الذي ليس غيرُهُ ... من الأرض ما يصفو لديَّ ويَعْذُبُ
يُخاطبني بالقرطبان فأنثني ... أَقول لِمَنْ هذا الطّواشي يُقَرْطِبُ
فيضحك جيراني وأضحك معْهُمُ ... فيزدادُ غيظاً منهمُ ويُزَرْسِبُ
أي يقول: قرطبان زن روسبي.
فهذا الكِرا في كلِّ وقتٍ وربما ... يُسَلِّفني مِن قَبْل آتي وأَطلبُ
فمُنّوا على العبد الضَّعيف تكرُّماً ... بإخراجه فالحقُّ ما منه مَهْربُ
فإنّي ومن طافَ الحجيج ببيته ... وما قد حوَت من خيرة الخَلْقِ يَثرِبُ
أودُّ من الإفلاس لو كنتُ عارفاً ... بحيلة كَسْبِ الفَلْسِ كيف التَّسَبُّبُ
وأهلُ زماني أقصروا عن مبرّتي ... لقولِهمُ: هذا لبيبٌ مُهذّب
فلو كنتُ قِسِّيسَ النَّصارى لعَظَّموا ... مكاني وخرّوا ساجدين وصلّبوا
فما لي أرى بالمسلمين تهاوُناً ... بحاملِ علمٍ للدّيانة يُنسَبُ
أبو الحسن المعلّم المعروف بنُحَيس
قال التاج البلَطي قرأْتُ عليه المتنبي وعمري خمس عشرة سنة، وكان عارفاً بشعره، ومات بعد جمال الدين الوزير، وله فيه بعد عزله:
إنْ يَعزِلوكَ لِمَعروفٍ سمحتَ به ... على ذَوي الأرض ذاتِ العَرض والطُّول
فأنتَ يا واحِدَ الدُّنيا وسيِّدَها ... بذلك الجود فيها غيرُ مَعزول
بركات بن الحَلاوي المَوْصلي
أعور ذكره تاج الدين البلَطي، ووصفه بكثرة التَّهتُّك، ورفض التَّنسُّك، والتَّطرّح في الحانات والدّيارات، والتمسّك بمعاشرة أهل البطالات، يَجبي أوقاف الجامع بالموصل وهو شيخ في الأدب، واضح المنهج، صافي المنهل، وأنشدني له:
صَدَّتْ سُلَيمى بِلا جُرْمٍ ولا سبَب ... بل كان ذنبي إليها قِلَّةُ الذَّهَب
قالتْ وقد أَبصَرَتْ شيخاً أخا مَلَقٍ ... بفرْدِ عين يَرومُ الوَصل عن كثب
لم يكفني أنَّه شيخٌ أخو عَوَرٍ ... حتى يكونَ بلا مالٍ ولا نشَبِ
منصور بن علي الحمّامي
أعور قال التاج البلَطي: رأيته بالموصل، يتردَّد إلى ابن الدّهّان النَّحْوِيّ وغيره من العلماء يستفيد منهم، وهو متفَسِّق مُستهْتَر بالغِلمان، ويسلك مناهج المُجّان، وتارةً يكتسب من الحمّام، وآونةً من النّسخ وآونةً من مدح الكرام، وله يهجو ابن بكوس الطبيب وابن بزوان حمّال الجنائز ومغسّلهم:
قال ابن بزوان لأصحابه ... قولَ امرئٍ في الناس مَطبوع
لولا ابن بكّوس الذي طِبُّهُ ... عن غير منقول ومسموعِ
مُتنا وعَهد الله يا سادتي ... في عامنا هذا من الجوع
[الأمير أبو الجيش من الموصل]
شيخٌ طويل قد أناف على السبعين، لقيته بالموصل سنة سبعين، واستنشدته من أشعاره، وأجريته في حَلْبَة التَّحاوُر ومِضماره، ومن شعره في جمال الدين الوزير:
سأشكرُ مَنْ أَسْدى إليَّ صنيعةً ... بلا مِنَّةٍ تأْتيه لكن تبرُّعا
جماعة من أهل سِنجار
الخطيب أبو الحسن علي خطيب سِنجار
لقيت أخاه وهو خطي بسنجار لمّا وصلت إليها في سنة خمس وستين وخمسمائة، في خدمة الملك العادل نور الدين رحمه الله، وأُنشدت لهذا الخطيب، وذكروا أنه كان فاضلاً رقيق الشِّعر رائقه، من أبيات:
كيف أخونُ والوَفاءُ مَذهبي ... أمْ كيف أسْلو والوداد ديني
عاهدْتُهُمْ أنْ لا أخونَ في الهوى ... قِدْماً وأعطيتُهُمُ يميني
يا سادتي لا سلمتْ من الرَّدى ... يَمينُ مَنْ يَمينُ في اليمينِ