كالبدر، إلا أنَّها ... تبقى على ضوء النَّهار
وله في تشبيه القمر، وقد انكسف:
وليلةٍ بِتُّها أُسَقَّى ... حمراءَ صِرْفاً كالأُرجُوان
وانكسف البدرُ، فَهْوَ يحكي ... في الأُفْق مَرْآةَ هِنُدْوُاني
وله:
لي صاحبٌ ذو خِلال، قد غَنِيت به ... عن الورى، وَهْوَ بي عمّا ذكرتُ غني
إن قلت: لا، قال: لا، مثلي، وقلتُ: نعَمْ، ... يَقُلْ: نعَمْ، أو أكُنْ في حادثٍ يكُنِ
وله:
ولائمٍ لامَني جهلاً، فقلت له والقلبُ في حَرَق والطَّرْف في غَرَقِ:
يا لائمي كيف يسلو مَنْ تُقَلِّبُهُ ... أيدي السَّقامِ، وتَثْنِيهِ يَدُ الأَرَقِ؟
أما ورَبِّ المَطايا الواجفات ضحىً ... تَؤُمُّ بَكَّةَ بين الوَخْدِ والعَنَقِ
لا زُلْتُ عن حبّ مَيّ ما حَييِت، وما ... زال الصبَّابةُ والأشجانُ من خُلُقي
وله:
مَنْ عَذِيري مِن صاحب سَيّئِ العِش ... رَةِ، لا يهتدي لأمرٍ مُسَدَّدْ؟
كخُيوط الميزانِ، في كل وقت ... ليس ينفكّ دائماً يتعَقَّدْ
وله:
إنّي من الشّاكرينَ، لكن ... بغير راءِ، فكن ذكيّا
وإنّني مبغض معادٍ ... لكلّ من لم يُرِدْ عَليِّا
ظَلْتُ ل آل النَّبيّ عبداً ... ومن مُعاديِهِمُ بَرِيّا
وله:
قال العواذلُ: لا تُوَا ... صِلْهُ، فقلت لهم: رُوَيْدا
قالوا: احجُبُوه عن السَّواد ... دِ. أيحجُبوه عن السُّوَيْدا
[غيرهم من الحلة والنيل والكوفة وأعمالها]
الأجل أبو الغنائم حبشي بن محمد الملقب بشرف الدين من الحلة.
كان أجل الكتاب قدراً، وإذا عدوا نجوماً عد بدراً.
سمعت أبا البدر الكاتب الواسطي، وكان معي في عمل الوزير كاتباً: أن حبشياً كان ناظر واسط، غير ناظر فيها إلى قاسط. قال: وهو أكتب من رأيته، وأملأ ضرعٍ في الكرم مريته. وخدمته ب واسط مدة، وصادفت ظلاله بالنعم ممتدة. وما رأيت أحداً أوضح بهجةً، وأفصح لهجة، وأكثر منه بشراً للقاء العافي، وأرشد الناس إلى طريق المعروف الخافي. كهف الخائف، ولهف العائف.
وسمعت مجد العرب العامري يترحم عليه، وإذا جرى ذكره تحدر دمع عينيه، ويقول: ما رأيت في الدنيا أجود منه يداً، وأعم منه ندىً، وأحسن منه رأياً، وأشمل منه عطايا، وأشعر منه بالشعر، وأعرف منه بالقيمة لأهله والسعر.
وله ديوان، كأنه بستان.
وزر لصاحب ماردين: تمرتاش، ومهد له ملكه تمهيد الفراش.
ثم وزر في الشام ل زنكي، وصار يشبه ملكه الجنة ويحكي، إلى أن أدركته على الملا حدة الملاحدة وفتكت به، ومضى لسبيله شهيداً إلى منقلبه.
وقال: حلي بتمائمه في الحلة، سامي المنزل والمحلة. وكان أبوه وزير صدقة ملك العرب، وربي حبشي في دولته وفاز منها بكمال الأدب.
أنشدني العامري، قال: أنشدني حبشي الوزير لنفسه رباعيه:
عيناي أباحتا لعينيك دمي ... حتى قدِمتْ على الرَّدَى بي قَدَمي
بالشُّكر كما قيل دوامُ النِّعَمِأعطاك غنى حسنك، فارحَمْ عَدَمي
وأنشدني له:
هجرتكمُ إِن كنت أضمرت هجركمْ ... وسافرت عنكمْ إِن رجَعت إلى السَّفَرْ
وإن خطَرت بالنَّفس صحبةُ غيرِكم ... فلا بَرِحَتْ محمولةً بي على الخطَرْ
وأنشدني لنفسه:
أطعتُ العلى في هجر ليلى، وإِنّني ... لأَضُمِرُ منها مثلَ ما يُضمر الزَّنْدُ
قريبةُ عهد، لم يكن من رجالها ... سِوايَ من العشّاق قبلٌ ولا بعدُ
رأيتُ فراق النَّفْس أهونَ لوعةً ... عليَّ من الفعل الَّذي يكرَهُ المجدُ
وله أيضاً رباعية:
الرَّوضُ غدا نسيمه وَهْوَ عليلْ ... والوُرْقُ شفَتْ بنطقها كلَّ غَليلْ
قم فاغتنم الفُرصة، فالمكث قليلْ ... ما أغبَنَ من يسلب عنه التَّحصيل