وعاد واللهِ عُقوقاً به ... تأكُلُ يا سيّدنا كِبْدي
وا عجباً من فطِنٍ كيّسٍ ... إيمانُه يأوي الى زُهدِ
أبعْدَ عشرين خلت وانقضت ... بين العراقَين الى نجْدِ
ما غيّرتْ بغدادُ في هذه ال ... مدّةِ سوءَ الخُلُقِ الجعْدِ
والشّوكُ والثّلجُ على حالةٍ ... يشوبُ حرّ الوخْزِ بالبردِ
كان أبداً يحدّث الغزْنويّ عن طريق غَزْنة، والبرد فيها والشوك، فيقول له: ما فارقتَ بعدُ تلك الطريقة.
وأنت تنهى الناس عن غيبةٍ ... في مثلِها تأمُرُ بالرّدِّ
إما بتخويفٍ من النارِ أو ... بنوعِ تشويقٍ الى الخُلدِ
وبعدَ ذا تفعلُ بي هكذا ... زِنْهار من سالوسِك السّرْدِ
وهذه العجمةُ من عندِك اقْ ... تبستها ما هي من عندي
أنا وأغراضي على تركي ال ... جدالَ بين العكسِ والطّردِ
إرجِعْ الى الله ودعْني ولا ... ترْمِ بسهمِ الطّيشِ من بُعْدِ
منْ قطعَ الوصلَ بلا موجبٍ ... ذاك الذي يصلُحُ للصّدِّ
هبْني كشيءٍ لم يكن أو كمن ... وسّدَه الحفّارُ في اللّحدِ
وفّقنا اللهُ وإيّاكَ يا ... مولايَ للخيرِ وللرُّشْدِ
لا تُصلحِ الفاسدَ منّي بما ... يخرُجُ من خردٍ الى شدِّ
ودَرْدِسَرْ يا نور عيني مكُن ... لضيّقِ الأنفاسِ بالدّرْدِ
ولا تنغّصْ من دِنانٍ خلت ... لبختيَ الأسودِ بالدّرْدي
تُريد منّي بعدَ ويلٍ جرى ... سعياً الى الخدمة بالقصدِ
هيهاتَ يأجوجُك في باطل ... باللّحْسِ للمُحْكَمِ من سَدّي
أنت تُداجيني كذا ساخراً ... أنا الذي أخنَقُ بالزُبدِ
وخاطري بالقدْح في كل ح ... رّاق سحيق واريَ الزّندِ
إبليسُ في كل بلاء به اس ... تغوى بني آدمَ من جندي
أنا الذي أمزِجُ خلّي إذا ... ما شئتُ للمُمْرَضِ بالشُهْدِ
إيارَجي أخلِطُ أخلاطَه ... مُغالطاً للخصمِ بالفَنْدِ
طِبٌ عراقيٌ على صورة الت ... حقيق لا برْخَشةُ الهندِ
عليّ مَن يُقدمُ أن يجتري ... بصولة المولى على العبدِ
عندي وفاءُ الكلب لكنّه ... مركّبٌ من قسوةِ الأسْدِ
أغاضبُ الفيلَ على أنني ... عند الرِّضا أرقُصُ للفردِ
ما لغزالِ السِّرْبِ حظٌ إذا ... ما عزّه المكروهُ بالفهْدِ
وشفةُ الشّهم قبيحٌ بها ال ... لَثْمُ لنعلِ الفرَسِ الورْدِ
يا نفْثةَ المصدور مني قِفي ... دونَ المناواةِ من الحدِّ
فاسلَمْ وسالمْني فهزْلي هو ال ... سُمّ إذا أعربَ عن جِدِّ
وقد أردف هذه القطعة بنثر، من جملته:
إنّ الله تعالى بذل المغفرة رشوةً وبرطيلاً لعباده من عبادته في جزاء العفو والصّفح، بقوله: (ولْيَعْفوا ولْيَصْفَحوا. ألا تحبّونَ أن يغفِرَ اللهُ لكم؟) .
وإذا وزنَ سيّدنا ديناره في قسطاس الإنصاف، موازناً له بصَنْجة الاعتراف، درى بما جنى، وبرئت من المعاتبة أنا. لكنه يدغدغ نفسه ويضحَك، وأسامحُه ويمْحَكُ.
وقد توالى من نزَغات الشيطان أسبابٌ زعزعت أركان المودّة، وزلزلت أرضَ الألفة، ورنّقت مشرَبَ المحافظةِ، وجلّلت آفاق المصافاة بالكدورة، وأفسدت نظام الأخوّة حتى أجلت معانيَها، وأخلَت مغانيه، فعاد الالتفاتُ من الجانبين جميعاً الى المحافظة التفاتاً عنها، فتباعدتِ الضّمائرُ بعد تقاربها، وتناءت عقب تصاقبها، وانطبع في كل مرآة صورة الإيحاش، من غير مِراءٍ فيه ولا تحاش.
وحصلْنا على نِفاق أجازي ... هِ بصبري عليه غصباً ورغْما
والبصير الذي يُحابي بأن يُص ... بحَ عن رؤية المحاباة أعمى
فإلى كم تكونُ حربي بلعني ... كلّما كنت بمالمداراة سِلْما
علم الفضل أبو منصور