واللهِ لو لم تكن من أَعْظُمٍ خُلِقَتْ ... ما كنت أَحْسِبها إلاّ حَصى بَرَدِ
ومن فُتورِ الحَيا في لَحْظِها مرَضٌ ... تُشْفى به الأعيُنُ المَرضى من الرمَدِ
شبيهةُ الظبيةِ العَجْماءِ قاتِلتي ... عَمْدَاً، وليس على العَجماءِ من قَوَدِ
متى تُحَيّا بلادٌ بالشآم أَقُلْ ... حُيِّيتِ يا آمِدَ السوداءِ مِن بَلَد
إنْ أَكْبَدَتْني همومٌ أَمْرَضتْ هِمَمي ... فإنما خُلِقَ الإنسانُ في كَبَد
إن كادَني أحدٌ لم أَشْكُ منه، بلى ... أشكو إليه ولا أشكو إلى أحد
قال في تاريخه: وأنشدني أبو علي الآمدي لنفسه ببرفطا:
مَن هاؤلَيّاء الظِباء العِينُ ... حقّاً فلي شَكٌّ بها ويقينُ
وكأنّما تلك الهوادِج فَوْقَها ... صَدَفٌ وهُنّ اللؤلؤُ المَكْنونُ
فالحُسْنُ مِن فَوْقَ الرِّحال مُنَضَّدٌ ... والخيلُ من تحت الرِّجال عَرينُ
كَحْلَى العيونِ وما اكتحَلْنَ بإثْمِدٍ ... يوماً ولا رَمِدَت لهُنَّ جُفونُ
ولقد أغُضُّ الطَّرْفَ يوم يَلوحُ لي ... في الرَّيْطِ من بَرْقِ الجُسومِ غُضونُ
من بَعْدِ ما قد لاحَ لي فوق الطُّلى ... أقمارُ لَيْلٍ تَحْتَهُنَّ غُصونُ
والقلبُ يرمُقُها بعينِ بَصيرةٍ ... ومن البصائر في القلوبِ عُيونُ
ضَنَّت بماعون السلام ولو سَخَتْ ... فكثيرُ ما يَسْخُو به ماعُونُ
في لَحْظِها مِن كلِّ غُنْجٍ فَتْرَةٌ ... وفُتورُ لَحْظِ الغانيات فُتونُ
ودِيارُ بكرٍ كان لي زمناً بها ... أَبْكَارُ لَهْوٍ تَسْتَفيض وعُونُ
لا غَرْوَ أن رُزِقَتْ هَواكِ على الصِّبا ... تلك المَعاقِلُ والقِبابُ الجُونُ
يا حبّذا تلك القلاع وحبّذا ... تلك البِقاع وحبّذا ليسونُ
هل أنتِ يا بغداذ أحسنُ مَنْظَراً ... أم آمدُ السَّوداء أم جَيْرُونُ
عَجَبَاً لطُول الحَيْن كيف يَروقني ... والحَيْن يَجْلِبُه إليّ الحِينُ
يا هل تُبَلِّغُني إليها جَسْرَةٌ ... وَجْنَاءُ صادقةُ الوَجيف أمينُ
كذا رُوِيَ وأنا أظن أن الصواب أمونُ
[الكامل أبو المكارم محمد بن الحسين الآمدي]
أبا حسَنٍ كَفَفْتُ عن التَّقاضي ... بوَعْدك لاعتصابِك بالمِطالِ
وَمَنْ ذَمَّ السؤال فلي لسانٌ ... فَصيحٌ دَأْبُه حَمْدُ السُّؤال
جزى اللهُ السؤالَ الخيرَ إني ... عَرَفْتُ به مَقاديرَ الرجال
أبو طالب إبراهيم بن هبة الله بن علي بن عبد الله بن أحمد بن الحسن
الدياري
من أهل ديار بكر، كان فقيهاً نبيهاً، محترماً وجيهاً، عفيفاً نظيفاً، ظريفاً لطيفاً، فاضلاً مناظراً، صالحاً، لله ذاكراً، دائم التلاوة للقرآن، كثير الخشية من الرحمن، ذكره السمعاني في كتابه، وأثنى عليه وعلى آدابه، وقال إنه ورد بغداد وأقام بها مدة، وخرج إلى خراسان وأقام ببلخ عند أبي المعالي ابن شهفور، وكان معيد درسه، وتوفي بها في أوائل محرم سنة وثلاثين وخمسمائة، قرأت في تاريخ السمعاني أنشدنا عمر أبي حسن الإمام ببلخ أنشدنا أبو طالب الديار بكري قال:
طلبتُ في الحبّ نَيْلَ الوَصْلِ بالخُلَسِ ... فنال هَجْرُك منّي نَيْلَ مُفتَرِسِ
فلو تسامحتُ بالشَّكوى إلى أحدٍ ... لفاض دمعي وغاض البحرُ من نفسي
وصِرتُ لا أرتضي حُسْناً يُجاوِزُهم ... فأوْرثوني عمىً أَدْهَى من الطَّمَسِ
وقرأت في تاريخه: أنشدنا أبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجَيّاني ببلخ أنشدنا أبو طالب الدياري لنفسه:
إنّي لأذكُر حُسّادي فَأَرْحَمُهُمْ ... لِما يُلاقون من هَمٍّ ومن كُرَبِ
أَسْهَرتُهُمْ يذكروني في كآبتهم ... ونِمتُ مِلءَ جُفوني غيرَ مُكتَئِب