لم أجِدْ للزَّمان غيرَكَ خِلاًّ ... أَصطفيه، كم واحدٍ بجميع
وله:
فارقْتنا إذْ لا رِضىً منّا به ... مَن يرتضي بُعْدَ السَّحاب الهامِرِ
ما كنتَ إلاّ السيفَ فارق غِمدَه ... للضَّرْب ثُمَّتَ عادَ عودةَ ظافر
وله من قصيدة:
تَظَلُّ الملوكُ له طائعين ... إذا ما عفا أو وَفى أو بَذَلْ
وينتحلون الذي يصنعون ... وأين الطِّباع وما يُنتَحَل
مَناقب طُلْتَ عليهم بها ... غَلَتْ وعلَتْ في مَداها زُحَل
سبقتْ بها شيبَهم والشبابَ ... صَبِيّاً كسَبْقِ الشُّروقِ الطَّفَل
تَمَنّى عِداك بقولٍ مَداك ... وأينَ المُنى من بلوغ الأَمَل
ومجداً تليداً فما أدركو ... هُ بالحَوْلِ منهم ولا بالحِيَل
فلا زال أمرُك في كلِّ ما ... تُحاوله أَبداً مُمْتَثَل
ومنها في وصف بلدٍ آمنَهُ:
فأَعْتَقْتَها من مُثار العَجاج ... وأَقطعْتها لمُباح الأَجل
أبو النَّصر بن النحاس الحلبي
كان من المجيدين المفيدين المعاصرين لابن سنان الخفاجي قبل سنة خمسمائة، ومن بديع شعره قوله:
ملكتَ قلبي مُستَرِقاً له ... وكان حرّاً غيرَ مُستعبَدِ
سكنتَ فرداً فيه حتى لقد ... خِفتك تشكو وَحشة المفرد
فلو تنازعنا إلى حاكمٍ ... قضى لك استحقاقه باليد
وقوله يصف عُجَّةً:
أبا الحسن استمِعْ قولي وبادِرْ ... إلى ما تشتهي، تفديكَ نفسي
فعندي عُجَّةٌ تُزهى بلونٍ ... كلَون البدر في عشرٍ وخمس
أجادت في صناعتها عجوزٌ ... لها في القلي حِسٌّ أَيُّ حِسِّ
فلم أرَ قبل رؤيتها عجوزاً ... تصوغ من الكواكب عَيْنَ شمس
وقوله، أورده أبو الصَّلت في الحديقة:
انظر إلى حظِّ ابن شِبْلٍ في الهوى ... إذ لا يزال لكلِّ قلبٍ شائقا
شغلَ النِّساءَ عن الرجال وطالما ... شغل الرجال عن النِّساء مُراهقا
عَشِقوه أمرَدَ فالتحى فعَشِقْنَه ... اللهُ أَكبرُ ليس يعدَمُ عاشقا
أبو محمد إسماعيل بن علي الدمشقي المعروف ب
ابن العينزربي
له:
أَعينيَّ لا تستبقيا فيضَ عَبرَةٍ ... فإنَّ النَّوى كانت لذلكَ موعدا
فلا تعجبا أن تُمطِرَ العينُ بعدَهُمْ ... فقد أبرقَ البينُ المُشِتُّ وأَرعدا
ويومٍ كساه الغيمُ ثوباً مُصنَّعاً ... وصاغتْ طِرازَيه يدُ البرق عَسْجَدا
كأنَّ السّما، والرعد فيها، تَذكرا ... هوىً لهما فاستعبرتْ وتنهَّدا
ذكرتُ به فيّاضَ كفَّيْكَ في الورى ... وإن كانتا أَهمى وأبقى وأَجودا
وله:
عراني جَوىً شُبَّتْ به في الحَشا نارُ ... وأَرَّقني شوقٌ شديدٌ وتَذكار
فرِفقاً بقلبي حيث شطَّتْ بكم نوىً ... وحِفظاً له والجارُ يحفظُه الجارُ
فيا عجبا أنّي أعيش مع النّوى ... جَليداً على ما يفعل الدّهر صبّار
وما كنتُ أرضى أن أحِلَّ ببلدةٍ ... وتنأَى، ولكن لا تُغالَبُ أَقدارُ
وما ليَ فيما شتَّتَ الشَّمْلَ حِيلةٌ ... هو الدّهر نهّاءٌ عليَّ وأَمّارُ
فيا راكباً إمّا عرَضْتَ فبلِّغَنْ ... سلامَ أخي شوقٍ به الدّهر غدّار
إلى ساكني مصرَ فإنَّ بها المُنى ... وإن كثُرَتْ في صفحة الأرض أَمصار
ومنها:
لئن لم أسِرْ سعياً إليك مبادراً ... فكم ليَ بيتٌ في مديحك سيّار
ترى في سماء المجد عبدَك كوكباً ... ولكنه للناظم الشِّعر غرّار
[نجم بن أبي درهم الحلبي]
ذكره وُحَيْشٌ الشاعر وقال مولده بحلب ونشأ بدمشق وتخيّل من ابن الصّوفي ومضى إلى حلب، ثم عاد بعد ذلك، وتوفي بحلب سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وكان شاعراً هجّاءً، قال ومن جملة أهاجيه قوله في قوم من دمشق يقال لهم بنو نُفايَة: