عمّركَ اللهُ إنّ عمري ... منك فما للورى ومالي
يُذيلُ مالاً يصون عِرضاً ... ليس مَدى الدهرِ بالمُذالِ
وقوله:
مزجَتْ لنا الدنيا مُنىً بمَنون ... وسَطتْ فأخفت شدّةً في لينِ
فليرْفَعِ اليقِظُ المهذّبُ نفسَه ... عن رقدةِ المتغافلِ المغبونِ
وليغنَمِ الإمكانَ ندْبٌ عالمٌ ... أفضت إليه بسرّها المكنونِ
استروحَ المكروبُ مما شفّه ... من كرْبه بتأوهٍ وأنينِ
وأبى الفتى المصدورُ إلا نفثةً ... ما إنْ يَعيها غيرُ صدرِ الدّين
يقظانُ يسحبُ في ميادين العُلَى ... أذيالَ صبٍّ بالنّدى مفتونِ
وأغرّ تنتسبُ الزّكانةُ والحِجا ... منه الى ماضي الجَنان رَكينِ
يا سيّد العلماء إنْ عُدّوا ويا ... أوْلاهُمُ بالحمدِ والتأبينِ
قد خصّ جارَك جور عبدِك دهره ... بعدَ الغِنى وخصاصة بديونِ
بخِلَ الغَمامُ وجُدْتَ فاستغنى الورى ... عن جَوْدِ ساريةٍ بجودِ يمين
فلتحْمَدَنّ على جميل صنيعةٍ ... دهراً سخا بك وهْو جِدُّ ضَنينِ
ثم فرّق الدهر بيننا، وطالبتُ الأقدارَ بلقائه، فأبيْنَهُ. وعاد الى الموصل، ولقيته بها في سنة ستّ وستين. وآخرُ عهدي به فيها سنة سبعين وخمسِ مئةٍ.
المؤيّد الآلوسي
بغدادي الدّار. ترفّع قدره، وأثرت حاله، ونفق شعره، وكان له قبول حسن، واقتنى أملاكاً وعقاراً، وكثُر رياشه، وحسُن معاشه، ثمّ عثر به الدّهر عثرةً صعُب منها انتعاشه، وبقي في حبس أمير المؤمنين المقتفي بأمر الله أكثر من عشر سنين، الى أن خرج في زمان أمير المؤمنين المستنجد بالله سنة خمس وخمسين وخمس مئة عند توليته، من الحبس. ولقيته حينئذ، وقد عشي بصره من ظلمة المطمورة التي كان فيها محبوساً، وكان زيّه زيّ الأجناد.
سافر الى الموصل، وتوفّي - بعد ذلك - بثلاث سنين. وله شعر حسن غزِل، وأسلوب مطرب، ونظم معجب. وقد يقع له من المعاني ما يندر، فمن ذلك ما أنشدني له شمس الدولة عليّ، ابن أخي الوزير عون الدّين بن هُبيرة في صفة القلم:
ومثقّفٍ يُغني ويُفني دائماً ... في طورَي الميعادِ والإيعادِ
وهبَتْ له الآجامُ حين نشا بها ... كرمَ السّيولِ وهيبةَ الآسادِ
وله هذه الأبيات السائرة التي يغنّى بها:
لعُتبةَ من قلبي طريفٌ وتالدٌ ... وعتبةُ لي حتى الممات حبيبُ
وعتبةُ أقصى مُنيتي وأعزّ منْ ... عليّ وأشهى منْ إليه أثوبُ
غلاميّةُ الأعطاف تهتزّ للصِّبا ... كما اهتزّ في ريحِ الشّمال قضيبُ
تعلّقتُها طفلاً صغيراً وناشئاً ... كبيراً وها رأسي بها سيشيبُ
وصيّرتُها ديني ودنيايَ لا أرى ... سوى حُبِّها إنّي إذنْ لمُصيبُ
وقد أخلقتْ أيدي الحوادث جِدّتي ... وثوبُ الهوى ضافي الدّروعِ قشيبُ
سقى عهدَها صوْبُ العِهاد بجودِه ... ملِثٌّ كتيّار الفرات سكوبُ
وليلتنا والغربُ مُلقٍ جِرانَه ... وعودُ الهوى داني القُطوفِ رطيبُ
ونحن كأمثال الثّريّا يضمّنا ... ودادٌ على ضيق الزمان رحيبُ
وبِتّ أديرُ الكأسَ حتى لثغرها ... شبيهاتُ طعمٍ في المدام وطيبُ
الى أن تقضّى الليلُ وامتدّ فجرُه ... وعاودَ قلبي للفراقِ وجيبُ
فيا ليتَ دهري كان ليلاً جميعُه ... وإنْ لم يكن لي فيه منكِ نصيبُ
أحبّكِ حتى يبعثَ اللهُ خلقَه ... ولي منك في يوم الحسابِ حسيبُ
وألهَجُ بالتّذكارِ باسمِك داعياً ... وإنّي إذا سُمّيت لي لطَروب
فلو كان ذنبي أن أُديم لودّكم ... جنوني بذكراكم فلست أتوبُ
إذا حضرت هاجت وساوسُ مُهجتي ... وتزداد بي الأشواقُ حين تغيبُ
فوا أسفا لا في الدّنوّ ولا النّوى ... أرى عيشتي يا عتْبُ منك تَطيبُ