وخفض الجأش منها أن ملك يدي ... بحر يغص به الواشي من الشرق
سَكَّنْتُها بعد ما جالت مدامعها ... من مقلتيها فريدا في ظبي الحدق
فأقبلت بين صمت من خلاخلها ... وبين نطق وشاح حائل قلق
تبدو هلالا ويبدو حليها شهبا ... فما نفرق بين الأرض والأفق
فأرسلت من مثنى فرعها غسقا ... في ليلة أرسلت فرعا من الغسق
في ليلة خلتها زنجية طفقت ... تزهى بعقد من الجوزاء متّسق
غازلتها والدجى الغربيب قد خلعت ... منه على وجنتيها حلة الشفق
فودعت ودموع المزن تسعدني ... عند الفراق بدمع واكف غدق
ومنها:
أنا الذي ظل بالأحداث مشتملا ... دون الأنام اشتمال السيف بالعلق
كأس وعاري حظوظ في شبيبته ... وكم قضيب يد عار من الورق
وقوله:
مظلول أملود الصبا مياسه ... خلع الشباب عليه فهو لباسه
قمر وأكناف الحشا آفاقه ... ظبي وأحناء الضلوع كناسه
لم أدر إذ جاءت بنكهته الصبا ... أتضوٌّع الكافور أم أنفاسه
ولقد عيينا غذ تمايل سكرة ... ألحاظه مالت به أم كاسه
للحسن مرقوم على وجناته ... سطر وصفحة خده فرطاسه
إن خالفت تلك المحاسن فعله ... فالسيف يطبع من سواه باسه
وقوله يصف فرسان حرب:
ومسددين إلى الطعان ذوابلا ... فازوا بها يوم الكفاح قداحا
متسربلي قِمْص الحديد كأنها ... غدران ماء قد ملأن بطاحا
شبوا ذبال الزرق في ليل الوغى ... وأبان كل مذرب مصباحا
سرج ترى الأرواح تطفيء غيرها ... أبدا وهذي تطفيء الأرواحا
لا فرق بين النيرات وبينها ... إلا بتسمية الوَشِيجِ رماحا
هبها تبدت في الظلام كواكبا ... لم لا تغور مع النجوم صباحا
يجني الكماة النصر من أشجارها ... لما غدت بأكفهم أدواحا
لا غرو أن راحت نشاوى واغتدت ... فلقد شربن دم الفوارس راحا
أبو العلاء عبد الحق بن خلف بن مفرج الشاطبي الكاتب المعروف ب
ابن الجنان
ذكره ابن الزبير في كتاب الجنان، وقال: هو حي إلى الآن، وذلك في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.
وله:
وكنا وريب الدهر وسنان والنوى ... بعيد مداها لا تروع لنا سِرْبَا
فعدنا وقد صرنا بمرأى ومسمع ... فأبصِر به عينا وأسمِع بها قربا
أبا حسن إن كنت أصبحت نازحا ... أراقب لمع البرق أو أسأل الركبا
فكم قد تجاذبنا الحديث لياليا ... تقلده أجيادها لؤلؤا رطبا
وهل كنت إلا الشمس لاحت لناظر ... فآونة شرقا وآونة غربا
[باب في ذكر جماعة من الغرب]
استفدت شعرهم من الشيخ الصالح أبي علي الحسن بن صالح الأندلسي المالقي وغيره:
[ابن الطراوة المالقي]
هو الشيخ الأستاذ أبو الحسين النحوي، ذكر لي الشيخ الصالح الحافظ أبو علي الأندلسي أنه عاش ابن الطراوة نيفا وتسعين سنة ومات قبل سنة ثلاثين وخمسمائة. وله مصنفات في النحو. وكان من الشعراء المجيدين. وكان يعرف بالأستاذ. وذكر أنه لا يلقب بالأستاذ في المغرب إلا النحوي الأديب. قال: أنشدني لنفسه، في أهل بلد استسقوا فلم يمطروا وأقشع سحابهم بعد بدوّه:
خرجوا ليستسقوا وقد نشأت ... سَحَرية قمِن بها رشح
حتى إذا اصطفوا لدعوتهم ... وبدا لأعينهم بها نضح
كشف الغطاء إجابة لهم ... فكأنّهم خرجوا ليستصحوا
ووجدت له في كتاب الجنان لابن الزبير قوله:
وقائلة أتكلف بالغواني ... وقد أضحى بمفرقك النهار
فقلت لها حضضت على التصابي ... أحق الخيل بالركض المعار
ولأبي الحسين ابن الطراوة:
ولماتخلوا من جراوة وانتموا ... لكلب وراموا أن يقال لهم عرب