ولما بعثت السيدة أروى بالمفضل لتنصر بعض أولاد جياش بن نجاح - وهو منصور بن فاتك بن جياش - على عمه عبد الواحد كتبت إلى زريع وعمه مسعود أن يلقيا المفضل بزبيد، فلقياه وقاتلا معه حتى قتلا بباب زبيد سنة ٥٠٣، وتمكن المفضل من دخول زبيد.
وقد قام يعدهما أبو السعود بن زريع، وأبو الغارات بن مسعود، كل منهما في جهته.
ومات أبو الغارات فخلفه ابناه محمد وعلي، ومات أبو السعود فخلفه سبأ، وإليه صارت الدعوة عن السيدة أروى ولقب بالداعي، وكان أول من لقب بذلك من الزريعيين.
واقتتل الداعي سبأ مع محمد بن أبي الغارات، وتمت الغلبة للداعي، فاستولى على أكثر اليمن وأضحى رأس الدولة الزريعية، وتوفي سنة ٥٣٣.
ثم خلفه ابنه الداعي المعظم محمد بن سبأ بن زريع فمد في سلطان الزريعيين حين استولى على حب وذي جبلة وأعمالها سنة ٥٤٨ - وقد انتقلت إليه من يد الأمير منصور بن المفضل بن أبي البركات بن الوليد الحميري -. وفي عهده كانت الزلزلة باليمن سنة ٥٤٩ وقد انهدم بها حصون كثيرة. ومدح الداعي بأشعار وقصائد وتوفي سنة ٥٥٠ على أصح الروايات ٥٤٧، ٥٤٨ في بعض الروايات الأخرى بالدملوة، وقبره فيها.
واستولى على البلاد بعده ابنه الداعي المكرم عمران بن محمد وعظم شأنه، وقصده الشعراء، وانقطع بعضهم إليه على نحو ما كان من أبي بكر العيدي شاعر الخريدة الذي أصفاه مدائحه.
واستمر يحكم حتى كان ظهور بني مهدي وغلبتهم على زبيد فضعف أمر الزريعيين وبدأ نجمهم بالأفول ولم يبق لهم إلا عدن.
وتوفي بعد عشر سنين من ولايته، أعني سنة ٥٦٠ في عدن. وحمله الشاعر الفاضل الكامل أبو بكر العيدي والشيخ التاجر أبو الغنائم الحراني إلى مكة وقبر في مقابرها.
وكان له ثلاثة أولاد صغار قام بتربيتهم الشيخ الموفق أبو الدر جوهر بن عبد الله المعظمي في حصن الدملوة، وبالملك لهم ياسر بن بلال بن جرير المحمدي. ومن مدائح الشاعر العيدي نعرف أن أحدهما يدعى محمداً والآخر يدعى أبا السعود انظر القصيدة الهمزية فيما نستقبل من شعر العيدي.
وفي سنة ٥٦٩ دخل الملك المعظم تورانشاه، أخو صلاح الدين، اليمن يفتحها، وبعد دخوله شنق ياسر - ومعه عبده السداسي سنة ٥٧١ وزال سلطان الزريعيين عن عدن، آخر ما أبقى لهم بنو مهدي، وانقضى ملكهم.
ويقول ابن المجاور في تأريخ المستبسر ص١٢٦ - ١٢٧: وكان أبناء زريع يؤدون الخراج إلى الخلفاء الفاطميين وهو لأجل المذهب لأن القوم كانوا إسماعيلية، وكل من تولى بأرض اليمن من بني زريع يسمى الداعي أي يدعو الخلق إلى المذهب.
بلوغ المرام - طبقات فقهاء اليمن - تأريخ المستبصر - المقتطف من تاريخ اليمن - معجم البلدان
[أبو بكر بن أحمد بن محمد العيدي اليمني]
وزير صاحب عدن، ذكره نجم الدين بن مصال وذكر أنه يعيش. وحكى أن شاباً من الاسكندرية يعرف بأحمد بن الأبي سافر إليه وانتفع من جانبه وأن أحمد ذكر عنه أنه عمل أبياتاً يهنىء بها الداعي بعدن بطهور أولاده من جملتها:
كذُبالَةِ المِصْباح يَقْضي قَطُّها ... عند الخمُود لها بقُوّة نارِهِ
قال فقال لي يصلح أن يكون لهذا البيت توطئة قبله وعمل:
أَخْذٌ من العُضْو الشَريف قضَى له التَّ ... أْثير فيه بمقُتضَى إِيثارهِ
وبعده:
كْذبالِة المِصباح يَقْضي قَطُّها ... عند الخمُود لها بقوّة نارهِ
وأنشدني له ابن الريحاني المكي، وذكر أنه ضرير وهو كاتب السلطان علي:
تَحَدَّثَ ساري الرَّكْب عنكم بأَوْبَةٍ ... تَنَسَّم أَنفاسَ السُّرورِ بها الْقلْبُ
فيا مِنَّةً لِلْعيس إِذ أَدْنَتِ النَّوى ... ويا حَبَّذا ما عَنكمُ حَدَّث الرَّكبُ
ولما استولى شمس الدولة تورانشاه بن أيوب على عدن وجده بها حياً، وذكر لي أنه نهب له مال كثير ودفاتر، وعدد وذخائر. وسألت عنه أصحاب الملك المعظم شمس الدولة عند عوده إلى دمشق في شهر رمضان سنة إحدى وسبعين، فذكروا أنه شيخ كبير، وهو ضرير، وله فضل غزير، ومحل عزيز، وجاه حريز.