للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر أنه كان يقصد في نظمه الترقيق لا التشديق، والإعذاب لا الإغراب، والإحلال لا الإعلاء، والتفهيم لا التفخيم، والتقريب لا التغريب، والتحريك لا التعريك. لكن هلاله لم يقمر، وقمره لم يبدر، وبدره لم يتم، وتمامه ما أزهر، وزهره ما أنور، ونوره ما أثمر، وثمره ما ينع، وينعه ما طلع، وطلعه ما بسر، وبسره ما أتمر، وحج عمرة، لم يبلغ قران العمرة، ومشتري شبابه لم يصادف قران الزهرة، فحضره الأجل مغيرا، واحتضره دون الأمل صغيرا. ومن شعره قوله:

سر إن اسْطَعْتَ فإنّي ... لست أسطيع مسارا

ذلك البدر الذي قا ... بلت لا يهوى السرارا

قلدوا مبسمه الدر ... وجفنيه الشِّفارا

كلّما أومأ باللح ... ظ يمينا ويسارا

لا ترى عيناه إلا ال ... قوم قتلى وأسارى

لا ترع يا شادن الأج ... رع كم تهوى النفارا

لك هذا القلب ترعا ... هـ أرَاكاً وعَرَارا

وقوله:

هنالك الريّ من دموعي ... يا ظبيُ والظل من ربوعي

فرد معينا ورِد ظليلا ... غير مذود ولا مروع

وقوله:

من رأى ذاك الغزال ضُحىً ... يتمشّى في أجَارِعِه

ينفض الأجفان عن سنة ... أشربتها في مضاجعه

نظرت الظبي روعه ... قانص أدنى مراتعه

بشر ما مثله قمر ... سنّ قتلي في شرائعه

وقوله من قصيدة:

أعيدوا عليّ الربع إلا تحية ... أخفف منها والركاب تبَوُعُ

دعونيَ والأطفال أبكي فإن يكن ... ضلالا فإني للضلال تبوع

وقوله من أخرى:

فتناوحت فيه الرياح ضُحىً ... حتى تبل ترابه المزن

وتسيل أبطحه وأجرعه ... ويرفّ ذاك السهل والحزن

وقوله:

تقول مطيتي لما رأتني ... وبينك لا توادعني فُواقا

لقد أخذ السرى مني ومنها ... مآخذ لا نطيق بها مساقا

لقد عنيت بنا النّكبات حتّى ... لودّت كل نائية فراقا

[الأديب أبو الحسن باقي بن أحمد]

وصفه بالأدب الباهر، والحسب الزاهر، وذكر أنه لم يزل منقبضا، وبدهره في صد عرضه غرضا، وقصر مدحه، على القاضي أبي أمية ولزم كسره، وألف مع عدم الانجبار كسره، فمن شعره ما كتب به إليه:

الدهر لولاك ما رقّت سجاياه ... والمجد لفظ عرفنا منك معناه

كَانَ العُلى والنُّهى سرا تضمنه ... صدر الزمان فلما لحت أفشاه

آيات فضلك تتلوها ونكتبها ... في صفحة البدر ما أبدى محياه

فأنت عضب وكف الدهر ضاربة ... تنبو الخطوب ولا تنبو غِرَارَاهُ

وله:

يا ماجدا في قربه ... من كل هم لي فرج

ومملكا بمقاله ... وفعاله رق المهج

هل طَنّ أذنك لِلِّقَا ... ءِ عيني تختلج

قال: وصحب القاضي أبا أمية إلى العدوة، فمرّوا بفاس، وفيها الوزير أبو محمد بن القاسم.

فكتب إليه:

نسيم الصّبا بذمام العلى ... تَمَشَّ على الروض مشي الكسير

وسر عبق النشر حتى تحل ... محل السيادة ربع الوزير

فطأمن حشاها دُوَيْنَ الضلوع ... حذار مهابته أن تطير

وقبّل أنامله إنّها ... ضرائر في فيضها للبحور

وذكر بحاجة ضيف له ... فؤاد يقيم وجسم يسير

له أمل قبل وشك الرحيل ... طويل المدى ومداه قصير

وقل إن لقيا الوزير الأجل يقرّب كلّ بعيد عسير

[الأديب أبو جعفر ابن البني]

وصفه بالانتهاك، والمجون والاستهلاك، وامتطاء مركب الهوى، والانضواء إلى من غوى، والانطباع في النظم، واضطلاع بحدة الفهم، وله في الطرب سهم يخطي، وحظ يبطي، وذكر أنه أبعده ناصر الدولة إلى ميورقة، فلما قربت السفينة منها، نشأت ريح فردته إلى موضعه عنها، فقال في أصحابه وأحبابه، وقد صدوا عن جنابه:

أحبتنا الألى عتبوا علينا ... فأقصرنا وقد أزف الوداع

<<  <  ج: ص:  >  >>