وغدا كلُّ ناطقٍ بلسان ... مُوجَعاً فيه، قائلاً: ما احتيالي
ذهب الصّالح الذي أَلبس الأَيّامَ مِنْ بعدِه ثيابَ الليالي
والذي كَفَّ كفُّه أَيديَ الفقْر بما بثَّ من جَزيل النَّوال
حَلَّ في التُّرْبِ منه من كان يرجو ... هـ ويخشاه كلُّ حيّ حِلال
طوْدُ حِلْمٍ ما خَفّ إِلاّ إِذا قيل: أَلا أَين حامِلُ الأَثْقال
مَنْ لِشَنِّ الغاراتِ بعد أَبيها ... ولِصَدْمِ الأَبطال بالأَبطال
ولِنَظْمِ الصُّدور، تعتلجُ الأَحْقاد فيهنّ، في صُدورِ العوالي
ولِفَصْلِ الخطاب في كلِّ أَمرٍ ... شيبَ منه الإِبهامُ بالإِشْكال
ومنها:
خَلِّ دَمْعي فإِنَّهُ غير راقٍ ... وفؤادي فإِنه غيرُ سالِ
ليس يُطفي ناراً تَلَظَّى بقلبي ... سُحْبُ جفني بمائها الهطّال
حُرِمتْ لَذَّةَ الكرى كلُّ عَيْنٍ ... لم تَجُدْ بعدَه بدمْعٍ مُذال
وإِذا بان ساكنُ الرَّبْعِ عنه ... ما يَرُدُّ البكاءُ في الأَطْلال
وقوله:
طاف، وسِتْرُ الظَّلام مُنْسَدِلُ ... خيالُ مَنْ زان طرفَهُ الكَحَلُ
يَعْجَبُ مِنْ طارق الرُّقاد وقد نا ... زَلَ جفني من بعد ما ارتحلوا
ثُمَّت وليّ وَهْناً فأَتْبَعَهُ ... طيبَ كراه المُتيَّمُ الغَزِلُ
ولو تَخَطَّى إِليه باعثُه ... لم تُخْفِه دُجْنَةٌ ولا طَفَلُ
وكيف يُخْفي الظلامُ شمسَ ضُحىً ... غصَّتْ بأَنوارِ وجْهها السُّبُلُ
الليلُ والصبحُ مِنْ مُرَجَّلِها ... على نَواصي جبينها خَجل
وقدُّها عَلَّم الغصونَ ضُحىً ... تميلُ في البانِ ثم تعتدل
جَيْداءُ قد نظّمت قلائدها ... دُرّاً يحاكيه ثَغْرُها الرَتَل
لم أَدْرِ من قبل أَنْ تلاحظني ... أَنّ جفونَ الصّوارم المُقَل
ولا علمتُ الظّباء كانِسَةً ... فوق المطايا وكُنسُها الكِلَل
ومنها:
منازلَ الحيِّ بالمُرَيج سقى ... ثَرى مَغانيكِ عارِضٌ هَطِلُ
لولا ظِباء الطُّلول منك لما ... شجا فؤادي ظبيٌ ولا طَلل
ولم يَرُضْني هوى الحسانِ كما ... يروضني للمدائح الأَمل
من كلِّ سيّارةٍ مُحَبَّرةٍ ... دُرِّيّةِ اللفظ ما بها خَلَل
عذراء، روضيَّة النسيم، على ... أَوصاف سيف الإِسلام تشتمل
غدا لأَمر الإِِله مُمْتَثِلاً ... فأَمره في العباد مُمْتَثَل
ملك تُقِرّ الملوك أَنهم ... له، إِذا ما تفاخروا، خَوَل
تُهْدى إِلى التُّرْب في مجالسه ... مِنْ قبلِ تقبيل كَفِّه، القُبَل
قائد جيشٍ إِلى العِدى لجبٍ ... صَرْفُ الرَّدى منه خائفٌ وَجِل
قومٌ كأُسْدِ الشرى براثنها البيض المواضي وغابُها الأَسَل
فَلِلْمَها ما تَقَلّدوه، وللأَحْداق يوم الهياج ما اعتقلوا
مِن مَعشرٍ ما لذا الزمان يدٌ ... يفعل في الناس مثل ما فعلوا
إِن سُئِلوا المجدَ والعُلى مَنَعوا ... أَو سُئلوا العُرْفَ والنَّدى بذلوا
ومنها:
يسأَله الوَفْدُ رِفْدَه فمتى ... تَرَحَّلوا عن جنابه سُئِلوا
تفعل في عِطْفه المدائح ما ... يَعْجَزُ عنه الثقيل والرَّمَل
ذِكْرُ النَّدى والعُلى يُرَنِّحُه ... كأَنه منه شارِبٌ ثَمِل
فالْعلمُ والحِلمُ والشجاعة والعفّةُ فيه والقول والعمل
[وحيش الأسدي]
هو الأديب أبو الوحش سبع بن خلف بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن زيد بن زياد بن المرار بن سعيد الأسدي الفقعسي، ومولده سنة أربع وخمسمائة. لقيته بدمشق شيخاً مطبوعاً، ومدحني بقصائد.
ومن جملة ما مدح به الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب عند وصوله إلى الشام وملكه دمشق سنة سبعين من قصيدة أولها: