القاضي الجليس أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين
ابن الحباب الأغلبي السعدي النميمي
جليس صاحب مصر، فضله مشهور، وشعره مأثور، وقد كان أوحد عصره في مصره نظماً ونثراً، وترسلاً وشعراً، ومات بها في سنة إحدى وستين، وقد أناف على السبعين. ومن شعره:
لا تعجبي من صَدِّهِ ونفارِه ... لولا المشيبُ لكنت من زُوّارِهِ
لم تترك الستون إذ نزلتْ به ... من عهد صبوتهِ سوى تذكارِه
وله:
حَيَّى بتفاحةٍ مخضَّبةٍ ... من فَفَّني حبُّهُ وتَيَّمَني
فقلتُ ما إن رأيتُ مشبهها ... فاحمرَّ من خجلة فكذَّبني
ومن شعره:
وسما يكفُّ الحافظُ ... الْمنصورُ عنا المَحْلَ كَفَّا
آواهمُ كرماً وصا ... نَ حريمهمْ فعفَا وعَفَّا
وأنشدني له الأمير نجم الدين بن مصال من قصيدة يقول فيها:
ومن عجبٍ أن السيوف لديهمُ ... تحيضٌ دماءً والسيوفُ ذكورُ
وأعجب من ذا أنها في أكفهمْ ... تأجَّجُ ناراً والأكفُّ بحور
وأنشدني له الشريف إدريس الإدريسي قصيدة سيرها إلى الصالح بن رزيك قبل وزارته يحرضه على إدراك ثأر الظافر، وكان عباس وزيرهم قتله وقتل أخويه يوسف وجبريل، يقول فيها:
فأين بنو رزيك عنها ونصرهم ... وما لهمُ من منعة وزياد
فلو عاينتْ عيناك بالقصر يومهمْ ... ومصرعهمْ لم تَكْتَحِلْ برُقَادِ
تداركْ من الإيمان قبلَ دُثُورِه ... حُشَاشَةَ نَفْسٍ آذنت بنَفَاد
فمزِّقْ جموعَ المارقين فإنها ... بَقَايا زُرُوعٍ آذنت بحصَادِ
وله فيه من أخرى في هذه الحادثة:
ولما ترامى البربريُّ بجهلهِ ... إلى فتكةٍ ما رامَها قَطُّ رائمُ
ركبْتَ إليه مَتْنَ عزمتك التي ... بأمثالها تلقَى الخطوبُ العظائم
وقُدْتَ له الجُرْدَ الخِفَافَ كأنما ... قوائمُها عند الطِّرَادِ قَوادِم
وتنصُلُ منها والعَجاجُ خضابُها ... هواد لأركان البلادِ هَوادِمُ
تجافتْ عن الماء القَرَاحِ فريُّها ... دماءُ العِدَا فهي الصواديْ الصوادم
وقمتَ بحقِّ الطالبيِّينَ طالباً ... وغيرُكَ يُغْضِي دونه ويُسالِمُ
أَعدت إليهمْ مُلْكَهُم بعد ما لوى ... به غاصبٌ حقَّ الأمانةِ ظالِمُ
فما غالبٌ إلا بنصرك غالبٌ ... وما هاشمٌ إلا بسيفك هاشم
فأدْرِكْ بثأرِ الدِّين منه ولم تزلْ ... عن الحقِّ بالبيضِ الرِّقاقِ تُخَاصِمُ
وأنشدني الأمير العضد مرهفٌ للجليس يخاطب الرشيد بن الزبير في معنى نكبة خاله الموفق:
تسمَّعْ مقاليَ يا ابن الرشيدِ ... فأنت حقيقٌ بأن تَسْمَعَه
بُلينا بذي نَشَبٍ سائلٍ ... قليلِ الجَدَا في أَوانِ الدعَه
إذا ناله الخيرُ لم نَرْجُه ... وإن صفعوه صُفِعْنا معه
وأنشدني بعض فضلاء مصر لابن الحباب:
سيوفُكَ لا يُفَلُّ لها غِرارُ ... فنومُ المارقين بها غِرارُ
يُجَرِّدُها إذا أُحْرِجْتَ سُخْطٌ ... على قومٍ ويُغْمِدُها اغتفار
طَرِيدُكَ لا يفوتُكَ منه ثارٌ ... وخصمك لا يُقالُ له عِثار
وفيما نلتَه من كلِّ باغٍ ... لمن ناواك لو عَقَلَ اعتبار
فمرْ يا صالحَ الأملاكِ فينا ... بما تختارُه، فلَكَ الخيارُ
فقد شَفَعَتْ إلى ما تَبْتَغيهِ ... لك الأقدارُ والفَلَكُ المُدَار
ولو نوتِ النجومُ له خِلافاً ... هَوَتْ في الجو يذروها انتثارُ
ومنها:
عدلتَ وقد قَسَمْتَ وكم ملوكٍ ... أرادوا العدلَ في قَسْمٍ فجاروا
ففي يدِ جاحدِ الإحسانِ غُلٌّ ... وفي يد حامدِ النعْمى سِوَار
لقد طَمَحَتْ بطرخانٍ أمانٍ ... له ولمثله فيها بوار