يا أُختَ يوسف إنّ قلبي ... في هواك أَخُو الصُّوَاعِ
فلئن ظفرتُ به لديك ... وكنتِ سارقةَ المتاع
فلآخذنَّكِ من قبيلك ... أَخْذَ مِلْكٍ واقتطاع
يا نفسُ حَسْبُكِ لا تُها ... لِي بالخُطوب ولا تراعي
يكفيكِ أَنَّكِ في حِمَى ... من ليس يَرْضى أَنْ تُضَاعي
وله يصف فوارة:
وفوّارة يستمدُّ السحا ... بُ من فضلِ أخلافِها المُحْتَلَبْ
رَأَتْ حُمْرَةَ القيظِ مُحْمَرَّةً ... لها شَرَرٌ كرجومِ الشَّهُبْ
فظَلَّتْ بها الأرضُ تَسقى السما ... ءَ خوفاً على الجوِّ أنْ يلتهب
أحسن ما قيل في الفوّارة قول البحتري:
وفوَّارةٍ ماؤها في السماءِ ... فليست تُقَصِّرُ عن ثارِها
تردُّ على المُزْنِ ما أَسْبَلَتْ ... على الأرضِ من فَيْضِ مِدْرَارِها
جماعة من شعراء مصر في عهد الأفضل ذكرهم أبو الصلت الحكيم في رسالته، منهم:
القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن محمد ابن النضر المعروف ب
الأديب
من أهل صعيد مصر، من الأفاضل الأعيان المعدودين من حسنات الزمان ذو الأدب الجم، والعلم الواسع، والفضل الباهر، والنثر الرائع، والنظم البارع؛ وله في سائر أجزاء الحكمة اليد الطولى والرتبة الأولى. وقد كان ورد الفسطاط يلتمس من وزيرها الملقب بالأفضل نصرة أخدمة، فخاب فيه أمله، وضاع رجاؤه، وأخفق سعيه، فقال من قصيدة يعاتب فيها الزمان، ويشكو الخيبة والحرمان:
بين التعزُّزِ والتذلُّلِ مسلكٌ ... بادي المَنارِ لعينِ كلِّ مُوَفَّقِ
فاسلكْهُ في كلِّ المواطنِ واجتنِبْ ... كِبْرَ الأَبيِّ وذلَّةَ المتملّق
ولقد جلبتُ من البضائع خيرَها ... لأجلِّ مختارٍ وأكرمِ مُتَّقِ
ورجوتُ خَفْضَ العيشِ تحت رِوَاقه ... لابدَّ إنْ نَفَقَتْ وإِنْ لم تنفق
ظَنّاً شبيهاً باليقين ولم أَخَلْ ... أنّ الزمانَ بما سقاني مُشْرِقي
ولعائبي بالحرصِ قولٌ بَيِّنٌ ... لو كنتُ شِمْتُ سحابَهُ لم يَطْرُق
ما ارتدْتُ إلاّ خيرَ مُرْتادٍ ولم ... أَصِلِ الرجاءَ بحَبْل غير الأوثق
وإذا أَبى الرزقَ القضاءُ على امرىءٍ ... لم تُغْنِ فيه حيلةُ المسترزق
ولَعَمْر عاديةِ الخطوبِ وإِنْ رَمَتْ ... شَمْلي بسَهْمِ تشتُّتٍ وتفرُّقِ
لأُقارِعَنَّ الدهرَ دونَ مروءَتي ... وحُرِمْتُ عِزَّ النصرِ إنْ لم أَصْدُقِ
وله في سفرته هذه وقد قوي يأسه من بلوغ أمله ونيل بغيته وعزم على الصدر عن الفسطاط إلى مستقره، يحض على الزهادة، ويحرض على القناعة، ويذم الضراعة، ويتأسف على إذالة خده، وإراقة ماء وجهه:
لَهْفي لملك قناعةٍ لو أَنَّني ... مُتِّعْتُ فيه بعِزَّةِ المُتَمَلِّكِ
ولكنزِ يأسٍ كنتُ قد أحرزتُهُ ... لو لم تَعِثْ فيه الخطوبُ وتفتكِ
آليتُ أَجعلُ ماءَ وجهي بعده ... كدمٍ يُهِلُّ به الحجيجُ بمَنْسِكِ
وأَخٍ من الصبر الجميل قَطَعْتُه ... في طاعةِ الأَمَلِ الذي لم يُدْرَكِ
يا قاتلَ الله الضرورةَ حالةً ... أيَّ المسالكِ بالفتى لم تَسْلُكِ
كم باتَ مشكوٌّ إليه تَحَيَّفَتْ ... حَلَقاتِهِ قَرْعاً براحةِ مُمْسِك
وفَمٍ على قدَمٍ رَمَتْ ونواظرٍ ... كُحِلَتْ محاجرُها بموطىءِ سُنْبُكِ
ومسربلٍ بالصبر والتقوى دَعَتْ ... فأجابها في مَعْرِضِ المُتَنَسِّك
ظلَّتْ تُصَرِّفُهُ كتصريف العَصا ... رأَسَ البعيرِ لِمَبْرَكٍ عن مَبْرَك
لا أَنشأَتْنِي الحادثاتُ لمثلها ... ورَمُيِتُ قبل وقوعها بالمهلك
وله في رئيس كان يكلفه زيارته ويقعد عن ذلك تعاظماً وتكبراً: