وفي جدوى الوجيه رجاءُ صِدقٍ ... إذا كذبَت على الناس الظُّنون
فمَن يُنضي المَطِيَّ إلى سواه ... فما حركاته إلاّ سكون
ومنها في وصف فتكه بالإسماعيلية وقتل في ذلك الأسبوع بدمشق أكثر من عشرة آلاف نفس، ولم يتعرَّض لِحُرَمِهم وذَراريهم:
فقل لذوي النفاق بحيث كانوا ... أبادَ حِماكُمُ الأَسَدُ الحَرونُ
ملكناكُمْ فصُنّا مَنْ وراكم ... ولو مُلِّكتمونا لم تصونوا
أَسلنا من دمائكم بحوراً ... جُسومكمُ لجائشها سَفين
الدُّمَيْك بن أَبي الخُرجَين
هو الشيخ أبو منصور بن المسلم بن علي بن أبي الخرجين الحلبي التَّميميّ السَّعديّ، كان معلِّماً بدمشق، ذكر لي الكاتب زين الكتّاب علي بن جعفر المعروف بابن الزغلية وهو شيخ مليح الخط والعبارة، أنه كان في المكتب عنده وهو أُستاذه، وتوفي سنة نيف وعشرين وخمسمائة، وكتب لي قصائد بخطِّه من شعره وأعارني الجزء وهو يشتمل على قوله:
رأيتُ عذابي في محبَّتكم عَذبا ... وبُعدَ دياري من دِياركُمُ قُربا
جنيتم علينا إذْ جَنينا ودادَنا ... لكم، ومنحناكم على بغضكم حُبّا
وخُنتم فما خِبتم رجاءً ورغبةً ... كأنَّكمُ الأيّام في منعها تُحبى
تخالَفَ نوعُ الحُسن فيمن عشقتُه ... هِلالٌ غَلا لمّا علا غُصُناً رَطبا
أَحلَّ فراقي حين فارقَه الصِّبا ... وشبَّ فؤادي بالجوى عندما شبّا
وجسَّره الواشي على الجَوْر فاعتدى ... وقد كنت أرجو منه أنْ يُحسِنَ العُقبى
كذا الدّهرُ يقضي بالنَّعيم وبالشَّقا ... فيأْخذ إن أعطى ويبغض إن حبّا
رأيت الفتى يأْتيه ما لا ينالُه ... بسعيٍ ولو أَنضى الرَّكائبَ والرَّكْبا
وإن رامَ إدراكَ المُنى بفضيلةٍ ... فقد رام أمراً ليس يدركُه صعبا
وإنَّ صديق المرء أوسع رحمةً ... وأكثرُ إنصافاً له من ذَوي القُربى
تجاور فيه هيبةٌ ومودَّةٌ ... فلم يخْل من ودّ ومن هيبةٍ قلبا
ويذهب بالودِّ المِراء ويمتري ... حفائظَ لا تُبقي على صاحبٍ صَحْبا
إذا حُرمَ الإنسانُ قلَّ نصيرُه ... وصار قضاءُ الحادثات له ذَنبا
وإن هي أعطتْه السعادةَ صيَّرَتْ ... له الجهلَ حِلماً والعدوّ له حِزبا
تحيَّرت الألباب في الجدِّ واغتدتْ ... تَعُدُّ خَفاهُ عن بصائرها خَطبا
تساوى ضُروب النّاس فيه جَهالةً ... ولو عرفوه رامَ كلٌّ له كَسبا
توقَّ قليل الشَّرِّ خوفَ كثيره ... ولا تحقِرَنَّ النَّزْرَ رُبَّتما أَربى
فإنَّ صغير الشيء يَكبُر أمرُه ... وكم لفظةٍ جرَّتْ إلى أهلها حربا
وقوله:
توالَفَ في زَمِّ الرَّكائب إخوانُ ... وخالف في حثِّ النَّجائب جيرانُ
فباكٍ من الوَخْدِ الوَحِيِّ وضاحكٌ ... وصاحٍ من الوجد النَّجيِّ وسكران
أُناسٌ سُقوا كأْساً من البَيْنِ مُرَّةً ... شُجونُ نَداماهم عليها وأَشجان
تحيَّتهم نجوى تَلوعُ وصَبوَةٌ ... غِناؤهم شكوى تَروعُ وإرْنان
إذا قُرِعوا مَسَّ الأسى قرعوا له ... ظنابيبَ صبرٍ ما لِفحواه وجدان
وما كلُّ شيءٍ ظنَّه المرءُ كائناً ... يقوم عليه للحقيقة برهان
أَأَحبابَنا إنْ خلَّفَ البعدُ بَعدكمْ ... قلوباً ففيها للتَّقرُّق نيران
رَجَونا مَعيناً من زفير وَقودِها ... مُعيناً فما جفَّتْ من الدَّمع أجفان
فلا تعجبوا من بعدكم في بقائها ... عشِيّاً وقد بانتْ حُمولٌ وأَظعان
وهل ينفعُ الإنسانَ قلبٌ ترادفَتْ ... عليه همومٌ طارقاتٌ وأحزان