للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهلا ذكر أيام الحمى فعطف، ومر بربع الأحبة فوقف، ورعى عهد أثلاث القاع، وحنّ إلى نسيم الخزامى بهذه الأجزاع، ولولا أشغال تصدت، وأعواد صدت، لتيممت أرضه، وقضيت فرضه، وهيني فعلت وحدي ذلك فما أقع من معشر يتوكفون لقاءه، ويتطلعون سناءه.

وكتب إلى أمير المسلمين: أطال الله بقاء أمير المسلمين، وناصر الدين، والعدل حلية أيامه، والنجح عاقد أعلامه، واليمن مكانف سلطانه، وحافظ نظامه، ولا زال يمده النظر، ويطالعه اليسر، ويشرق بمساعيه المنيرة العصر، كتبته من نصيحته التي فرضتها الشريعة، وطاعته التي هي العروة الوثقى الوثيقة المنيعة، والتزامي لأمره سريع أقيمه، وحظ من البر أستديمه، وأستعين الله على إتيان وفقه، وأداء ما فرض من حقه.

وكتب إليه أيضاً: أطال الله بقاء أمير المسلمين، ورايته معوَّدة الظفر، ودولته مشرقة الغرر، وعز سلطانه ملء السمع والبصر، كتبته وأنا أعتصم بحلبه، وأستوطن حزم عدله، وأتوسد بردي ظله.

أبو الحسن علي بن عطية البلنسي المعروف ب

ابن الزقاق

قال: شاعر متأخر في الزمان، متقدم في الإحسان، له ألفاظ أرق من نفحات حدائق الرياض، ومعان أدق من عبرات الأحداق المراض، فمن ذلك قوله:

يا برق نجد هل شعرت بمتهم ... وهب الكرى لوميضك المتبسم

ما طالعته في الدجى لك لمحة ... إلا وقال لِمُزْنِ مقلته اسجم

ومنها:

ولقد طرقت الحي في غسق الدجى ... والليل في زي الحصان الأدهم

متنكبا زوراء مثل هلاله ... نَصّلْتُ أسهمها بمثل الأنجم

وقوله:

وقفت على الربوع ولي حنين ... إلى الأحباب ليس إلى الربوع

ولو أني حننت إلى مغاني ... أحبائي حننت إلى دموعي

وقوله:

وحبب يوم السبت عِنْدي إنَّه ... ينادمني فيه الذي أنا أحببت

ومن أعجب الأشياء أنِّيَ مُسْلِمٌ ... حنيف ولكن خير أيَّامِي السبت

وقوله:

أديراها على الزهر الندي ... فحكم الصبح في الظلماء ماض

وكأس الراح تنظر عن حباب ... ينوب لنا عن الحدق المراض

وما غربت نجوم الليل لكن ... نقلن من السماء إلى الرياض

وقوله يصف حمَّاما:

رب حمَّام تلظى ... كتلظي كل وامق

ثم أذرت عبرات ... صوبها بالوجد ناطق

فغدا منه ومني ... عاشق في جوف عاشق

وقوله مما يكتب على قوس:

دع الخطيَّ يثني عطفه لي ... فإن لأسهمي فضلا عليه

إذا كان العلى قتل الأعادي ... أيفضل غير أسْرَعِنَا إليه

وقوله وهو أحسن ما قيل في دقة الخصر:

وإنسية زارت مع الليل مضجعي ... فعانقت غصن البان منها إلى الفجر

أسائلها أين الوشاح وقد سرت ... معطلة منه معطرة النشر

فقالت وأومت للسوار: نقلته ... إلى معصمي لما تقلقل في خصري

وقوله:

ومرتجة الأعطاف أما قوامها ... فلدن وأما ردفها فرداح

ألمت بنا والليل في قصر بها ... يطير وما غير السرور جناح

فبت وقد زارت بأنعم ليلة ... يعانقني حتى الصباح صباح

على عاتقي من ساعديها حمائل ... وفي خصرها من ساعديَّ وشاح

وقوله:

وعشية لبست ملاء شقيق ... تزهى بلون في الخدود أنيق

أبقت بها الشمس المنيرة مثل ما ... أبقى الحياء بوجنة المعشوق

ولو استطعت شربتها كلفا بها ... وغنيت منها عن كؤوس رحيق

وقوله في غلام جرح في خده:

وأحوى رمى عن قسيِّ الحور ... سهاما يُفَوّقُهُن النظر

يقولون وجنته قسمت ... ورسم محاسنه قد دثر

وما شق وجنته عابثا ... ولكنها آية للشر

جلاها لنا الله كيما نرى ... بها كيف كان انشقاق القمر

هذا معنى مخترع، أغرب فيه وأبدع.

وقوله:

زارتك من رقبة الواشي على فرق ... حتى تبدي وميض المرهف الذلق

<<  <  ج: ص:  >  >>